أكثر من 500 شاب وشابة ينتقلون كالفراش من مكان لآخر ينثرون البسمة ويوزعون الفرح على زوار هذا المهرجان الرائع الذي جمع الترفيه والثقافة والفن والرياضة

تنتظر الشابة فاتن العتيبي (24عاماً) الساعة الثالثة عصراً من كل يوم وعلى مدار الأسبوع ولمدة شهر كامل للتوجه بكل فرح وحماس لشركة أرامكو السعودية, وتحديداً للمهرجان الصيفي الكبير الذي يُضيف لهذه الشركة العملاقة الصارمة بعداً إنسانياً وحضوراً اجتماعياً لم نعهده كثيراً خلال مسيرتها الطويلة. لقد أيقنت فاتن ومنذ البداية بأن العمل التطوعي يحتاج إلى كثير من الجهد والعطاء والصبر والإنجاز, خاصة إذا كان في شركة كبرى مثل أرامكو, هذه الأيقونة الاستثنائية العالمية التي تعتبر المصدر الأهم والملهم على المستوى العالمي, فضلاً عن المستوى الوطني. قبل عامين, أسست فاتن مع بعض زميلاتها فريق بنات الدمام التطوعي, والذي بدأ ببعض الفتيات المتحمسات ولكن سرعان ما أصبح هذا الفريق الرائع يحظى بسمعة وشهرة بين أوساط الفتيات وسيدات المجتمع بالساحل الشرقي لما يقوم به من فعاليات وبرامج وخدمات هدفها في الأصل نشر وإشاعة ثقافة العمل التطوعي والجهد الجماعي, ويصل عدد المنتسبات لهذا الفريق الآن أكثر من 500 فتاة. تخرجت فاتن قبل عام من الجامعة العربية المفتوحة بمملكة البحرين متخصصة في تقنية المعلومات, وهي الآن مسؤولة الإعلانات والجوائز في مهرجان صيف أرامكو، وتقود بكل كفاءة ومهارة وحرفية فريقاً من 8 متطوعات و19 متطوعاً من شباب هذا الوطن، يعملون بكل مسؤولية وانضباطية وسعادة في هذا المهرجان الصيفي الذي يستحق الزيارة والاهتمام والاستنساخ.
وقبل الكتابة عن ذلك المهرجان الصيفي الحقيقي لشركة أرامكو, لابد من التوقف قليلاً عند هذه الظاهرة الموسمية التي تجتاح الوطن, كل الوطن في مثل هذه الأيام, مئات ـ مما يُطلق عليه تجاوزاً ـ المهرجانات والاحتفاليات والفعاليات التي تُقام في كل أرجاء الوطن في هذا الصيف القائظ والذي تتجاوز حرارته الـ 50 درجة. لا حديث هذه الأيام إلا عن تلك المهرجانات, فنشعر كما لو أننا بالفعل نعيش كرنفالاً احتفالياً حقيقياً يُنسينا الحرارة المرتفعة والرطوبة الشديدة والغبار والملل والروتين, ويُبقينا في ربوع الوطن تشجيعاً للسياحة الداخلية, وذلك بعد سنوات طويلة من الهروب خارج أسوار الوطن, هناك بعيداً حيث الأجواء المنعشة والمناظر الرائعة والحرية المفقودة.
أكاد أجزم بأننا نحمل الرقم القياسي في عدد المهرجانات الصيفية. ولو سعينا ـ كما هي عادتنا ـ لموسوعة جينيس للأرقام القياسية لتحقق لنا ذلك, تماماً كما هي صفحاتنا الناصعة في ذلك الكتاب العالمي, أكبر صحن كبسة, أكثر عدد دلال قهوة, أكبر سلة خوص في العالم, وغيرها من الإنجازات الوهمية الوطنية العالمية!
والسؤال هنا: لماذا كل هذا الزحام والفوضى والتشتت بسبب ذلك الكم الهائل من تلك المهرجانات والفعاليات الصيفية التي يغلب عليها التسرع والتكرار, وتسيطر عليها النمطية والتشابه؟ لماذا لا تتوحد كل الجهود والطاقات والإمكانات والأفكار في مهرجان أو عدة مهرجانات كحد أقصى؟ لماذا لا نستفيد من تجارب الآخرين؟ ولن أبعد كثيراً, ففي مملكة البحرين مثلاً, هناك مهرجان صيفي واحد لهذا العام وبشعار واحد هو الطفل أولاً, وكذلك الأمر في قطر والكويت ومصر وسوريا وكل دول العالم تقريباً. لماذا نحن دائماً نعشق الاستثناء؟ الأمر بحاجة إلى خطة وطنية متكاملة, وليس مجرد اجتهادات فردية, أو أمنيات عفوية. المهرجانات الصيفية والاحتفالات الموسمية, بل والسياحة على وجه العموم لم تعد وسائل ترفيه لقضاء أوقات الفراغ والإجازات ورقصات هنا وسحوبات هناك.. السياحة قطاع تنموي هام, وصناعة حيوية تُدار وفق قوانين وأنظمة, وتُسهم في تطور وتقدم الوطن.
أعود مرة أخرى لفاتن ومهرجان صيف أرامكو. يبدو أن قدر أرامكو ـ بل هو قدرنا نحن ـ وهي المتخصصة بالنفط أن تحقق لنا بعض أحلامنا وتطلعاتنا التي عجز عنها الآخرون، مثل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والمدارس النموذجية وأساليب السلامة المتطورة, والآن جاء الدور على المهرجانات السياحية! ظاهرة أرامكو يجب أن تُدرس بعناية, بل يجب أن تُعمم في كل مؤسساتنا ودوائرنا, وقبل ذلك في سلوكنا وفكرنا.
أكثر من 500 شاب وشابة ينتقلون كالفراش من مكان لآخر ينثرون البسمة ويوزعون الفرح على زوار هذا المهرجان الرائع الذي جمع الترفيه والثقافة والفن والرياضة. أجواء من المتعة والفائدة والسعادة تُحيط بكل أفراد الأسرة, ولاسيما الصغار. تختلط أصوات العرضة السعودية بضحكات الأطفال الفرحين بالقطار الجميل وبعبارات النقد والفكر في ورش الخط العربي والتصوير الضوئي والجرافيك والنحت, والصيحات القادمة من أكاديمية أرسنال. لقد سحبت أرامكو البساط ـ هذا إذا كان ثمة بساط أصلاً ـ من كل تلك المهرجانات والفعاليات الساذجة التي تُقام هنا أو هناك.
مهرجان صيف أرامكو بالظهران والرياض وجدة خطوة رائعة باتجاه سياحة وطنية حقيقية, وليست مجرد شعارات أو أمنيات.