كتاب سلجاندر يكرس عدم محاولته فرض وحدوية المعتقد في العالم والأديان، بل محاولة التوفيق بينها ليعم السلام ويسود الأمن، ويقول إنه يعتبر كتابه سجل كل إنسان يبحث فيه عن نقاط التقاء موجودة بين المسيحية والإسلام
سوء الفهم من أسوأ الأمور التي يمكن أن تحدث القلاقل والمشكلات بين الشعوب والمجتمعات، وتؤدي إلى نتائج وعواقب لا تحمد عقباها، تصل إلى القطيعة على مستوى الأفراد في مختلف العلاقات وتؤدي إلى عداوات بين الشعوب ويصل الأمر إلى الاقتتال والحروب. سوء الفهم تعززه أمور كثيرة منها الصور النمطية عن المجتمعات والمذاهب والأديان ومنها التحريض من قبل بعض المنظمات والهيئات ذات المصالح لدى أطراف الصراع أو عدم الجدية في البحث عن الحقيقة وتلقفها من مصادر غير موثوقة، وأحيانا يكون سوء الفهم بسبب ما نسميه في مجتمعنا قلة الدبرة من بعض الأفراد والمؤسسات التي تفتقد للمهنية، ولا أظن أن هناك دولة أو مجتمعا أو دينا أو مذهبا أو حتى فردا من الأفراد لم يتعرض لمشكلة أو مشكلات بسبب سوء الفهم، ولهذا فإن ظاهرة سوء الفهم ليس لها جنس أو وطن فهي في كل مكان وجد فيه الإنسان، والأحداث التي تشهدها الساحات الآن لا تخلو من أحد الأسباب التي سبق أن ذكرناها. وأقصد نتائج الفعل المشين الذي ارتكبه صانعو الفيلم المسيء لرسولنا صلى الله عليه وسلم عندما دفع الثمن أشخاص لا ذنب لهم، كما أن سوء فهم الأديان والثقافات يؤدي في كثير من الأحيان إلى عواقب وخيمة. وقد عزز هذا التوجه لدي كتاب وقع تحت يدي مؤخرا لعضو الكونجرس ومندوب الولايات المتحدة في الأمم المتحدة سابقا مارك سلجاندر. خلص فيه إلى نتيجة مؤداها أنه لا يمكن محاربة الأفكار الضالة والإرهاب بالسلاح، وأن معاداة الأديان تؤدي إلى زيادة الفرقة بين شعوب الأرض، وأن البحث عن نقاط الالتقاء بين الأديان والثقافات يعزز السلام، وأن كل الخلافات التي أدت وتؤدي إلى الاقتتال مبنية على سوء فهم بين مختلف الأديان والثقافات. والكتاب يتحدث تحديدا عن الإسلام والمسيحية، ويقول إنه يحاول من خلال كتابه تضييق الفجوة بينهما لمزيد من التسامح والتفاهم والتعاون والتعايش. قدم للكتاب بان كي مون السكرتير العام للأمم المتحدة، ويأتي الكتاب نتيجة تجارب المؤلف وزياراته لما سماه المناطق الساخنة لبعض دول العالم الإسلامي مثل لبنان (أثناء غزو إسرائيل في الثمانينات) وليبيا والسودان وباكستان والهند. وهي محاولة إبراز الشواهد والأدلة والأمثلة من القرآن والإنجيل ككتب سماوية على مواطن الالتقاء والقيم المشتركة.
يقول المؤلف إن فكرة الكتاب بدأت عندما ما شكك أحدهم في أن ما يقوم به من محاولات لتحويل الناس من دياناتهم إلى المسيحية عن طريق جهود التبشير التي يقوم بها أنها وصيته هو وليست من الكتاب المقدس. وبدأ بعدها عملية البحث في القرآن والإنجيل ليصل إلى نتائج عديدة أهمها، أولا: إنه لم يجد في القرآن أي آية تدعو المسلمين لقتل الناس بسبب دينهم. كما أنه لم يجد في الإنجيل ما يدعو المسيحيين إلى وجوب سعيهم إلى تحويل الناس من دياناتهم إلى المسيحية.. ويؤكد على أهمية دراسة أمر من يعتقد أنه عدو، لأن الأمر بعد هذه الدراسة سيتغير بسبب اكتشاف من يعتقد أنه عدو أنه ليس كذلك. وثانيا: من يظن أنه ليست هناك نقاط التقاء بين الدينين فهو مخطئ. وثالثا: إن بعض التفسيرات والتأويلات هي سبب الفرقة بين الأديان. ويقول إنه ظن لفترة طويلة يعتقد أن ما جاء به الإنجيل لدعوة الناس للسلام معناها وجوب تحويلهم من دياناتهم إلى المسيحية. كما يقول إنه لا يتعرض في هذا الكتاب إلى نقد أي دين بل يحاول البحث عن نقاط الالتقاء. وإن فكرة العداء للآخرين تقوم في الغالب على الجهل بذلك الدين ولهذا ينشأ ما سماه الاختلاف العنيف Violent Difference ليس فقط الجهل بالمعتقد ولكن أيضا الجهل بالمعنى الحقيقي للسياق الثقافي والتاريخي الذي وردت فيه بعض النصوص المقدسة التي غالبا ما تؤول بشكل خاطئ من قبل فئة معينة ويترتب على ذلك التأويل نتائج خطيرة وعنيفة تؤدي إلى توسيع الفجوة بين الناس في الأرض. وضرب على ذلك أمثلة من القرآن والإنجيل.. ويقول المؤلف إنه اعتقد لفترة طويلة كسياسي أن الإسلام هو دين العنف وأن القرآن يحرض على قتل غير المسلمين، وأن القرآن والإسلام يدعوان إلى أعمال شيطانية، وأن الإسلام والمسيحية لا يمكن أن يلتقيا أبدا وأنهما متضادان في المفاهيم. وأن الحل الممكن هو فقط أن يغير الآخرون جميعهم معتقدهم إلى المعتقد الآخر.. وتبين لي أن نظرتي هذه بسيطة وقاصرة في فهم بعض البديهات وأنا أناقش صدقها من عدمه.. وفي وقت ما عرفت أن ما ظننت أنه بديهيات هو خطأ بالكامل وبشكل قاطع. ويقول إننا إذا توقفنا عن الاعتقاد بثقافة الفرضيات وعادات التفكير المتعصب المسيطرة وبدأنا بدراسة وبحث نصوص الكتب المقدسة بلغتها الأساسية فإن الحقيقة ستبدأ في الظهور وتكون النتيجة تلاشي ظهور ما يسبب الاختلاف والاقتتال.
ويظن المؤلف أن سوء الفهم القاتل الذي يسبب الفرقة في عالمنا اليوم يجب ألا يستمر إلى الغد.
والكاتب يكرس فكرة عدم محاولته لفرض وحدوية المعتقد في العالم والأديان كما يحاول أتباع كل دين أو مذهب بل محاولة التوفيق بينها ليعم السلام ويسود الأمن.. ويقول إنه يعتبر هذا الكتاب سجل كل إنسان يبحث فيه عن نقاط التقاء موجودة بين هذين الدينين وهاتين الثقافتين. وليكون هذا السجل مرجعا أمينا للحفز لمزيد من التدبر والإلهام والبحث والوصول إلى قناعة بأن هناك فعلا نقاط التقاء وأن تلك النقاط ليست بعيدة المسافة وصعبة المنال وأن تقنع القارئ أن هذه ليست نظرة مثالية بل واقعية ومنطقية وقابلة للتطبيق وملحة في عالمنا اليوم.. وستعمل على تلاشي الكثير من الخلافات بشكل إعجازي إذا ما تدبرناها بشكل هادئ وواقعي.
ويمضي المؤلف في رؤيتة ليقول إن سبب الاقتتال هو وصول البعض إلى تفسيرات خاطئة وإن أفضل ما توصل إليه من قناعة هو أنه وجد أن معظم المتقاتلين لا يعرفون حقيقة أمر ما يتقاتلون من أجله. ويؤكد أن اتباع أي دين لا بد أن يكون توجههم الحقيقي العمل على بناء جسور الالتقاء لا على البحث عن نقاط التفرقة.. وأن الدين يحث على قيم سامية ومثالية تدعو لتقدير حياة الإنسان والتسامح، والاحترام ودماثة الأخلاق.