زوارها يجمعهم الحرم النبوي وتفرقهم مئات الأماكن الأخرى
تسير الاستعدادات في المدينة المنورة، على قدم وساق لاستقبال لقب عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2013، في حين أجمع زوارها ومسؤولوها ومثقفوها على أن الحدث سيزيد المدينة غنى، إضافة إلى غناها ثقافياً وتاريخياً وحضارياً وكذلك سياحياً. ففي حين تحشد عواصم العالم العربي والإسلامي جهودها لتشكيل هويتها الخاصة بها، فإن المدينة المنوّرة غنية من دون هذا الحشد، بآثارها وأماكنها السياحية والتاريخية المختلفة التي تؤكد من خلالها صولاتها وجولاتها عبر التاريخ الإنساني وتساهم في الحضارات المختلفة التي تركت بصماتها المادية على الأرض دليلا على التحضر والإبداع.
وعلى الرغم من قيام حملات الشركات السياحية (العمرة والزيارة) بتنظيم زيارات لأهم المواقع التاريخية والأثرية بالمدينة المنورة، إلا أن كثيراً من الزوار والمعتمرين يحرصون على التواجد بصفة خاصة في بعض المواقع القريبة لأنفسهم والتقاط الصور التذكارية عندها، بينما يمضي بعضهم أوقاتاً في مراجعة نصوص تاريخية حول المكان وقيمته الإسلامية والتاريخية.
وهكذا تختلف وجهة آلاف الزوار الذين يتوافدون على المدينة المنورة على مدار الساعة، لكنهم يحرصون منذ دخولهم على الصلاة بالمسجد النبوي. ويقابل حرصهم المتمثل في زيارة المسجد النبوي والصلاة فيه والسلام على الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وصاحبيه ـ رضي الله عنهما ـ، زيارة المساجد والمآثر التاريخية التي تزخر بها المدينة المنورة.
بقيع الغرقد
فبداية من مقبرة البقيع (بقيع الغرقد) التي تضم زوجات وأبناء الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ وأكثر من 5 آلاف صحابي، ويمتد تاريخها للعهد النبوي لتشهد أولوية لدى الزوار بمختلف جنسياتهم، وتتخذ باقي المواقع مثل مسجد قباء وشهداء أحد ومسجد القبلتين والميقات والمساجد السبعة رأس قائمة المواقع التاريخية في خارطة زائر المدينة المنورة السياحية.
ويقول صلاح عبدالواحد وهو قائد إحدى حملات شركات الحج والعمرة المصرية والقادم للمدينة المنورة على رأس حملة تجاوز عدد أفرادها 400 زائر، جميعهم من القاهرة: صادفت زيارتي للمدينة المنورة بأن اختيرت عاصمة للثقافة العربية لعام 2013، وكم هو جميل أن يلتقي المسلمون في هذا المكان الطاهر لترسيخ مفهوم الوحدة الثقافية والإسلامية. ويضيف عبدالواحد: تستوحي مواقع المدينة المنورة الدينية والتاريخية الكثير من الثقافات والحضارات وتصدّر للعالم أهم الأدبيات والمنتجات الفكرية والمنجزات التاريخية التراثية والحداثية، وليس غريباً أن يقع عليها الاختيار لتكون عاصمة للثقافة العربية، لأنها من أهم المحطات الثقافية في عالمنا العربي والإسلامي.
وحول أماكن الزيارة التي تكون من أولويات خارطة الزائر المصري السياحية في المدينة المنورة، يقول عبدالواحد: الزائر القادم للعمرة أو الصلاة في المسجد النبوي لا يستطيع زيارة جميع المواقع الأثرية والسياحية بالمدينة المنورة لكثرتها، غير أن مسجد قباء والقبلتين والميقات وموقع شهداء أحد التاريخي وجبل أحد هي الأماكن التي يحرص الزائر المصري عليها بعد المسجد النبوي ومقبرة البقيع.
تطور سريع
الزائر عبدالقادر آغا حسين، من تركيا، نوه باستمتاعه بقضاء معظم أوقات زيارته للمدينة المنورة. وذكر أنه بحكم عمله في بعثة الحج التركية، فإنه يزورها كل عام وأنه يلاحظ التطور السريع الذي تشهده المدينة المنورة، مما جعلها تحظى باختيارها عاصمة للثقافة العربية لعام 2013. وقال إنه يشعر بالارتياح نظير الجهود المبذولة من المسؤولين في صيانة وترميم كثير من المواقع التاريخية والأثرية بالمدينة المنورة. وعن الأماكن التي يفضلها الزوار الأتراك، قال: يحرص الزوار الأتراك بعد المسجد النبوي، على زيارة محطة سكة الحديد الحجازية الاستسيون وميدان العنبرية ومسجد قباء وجبل أحد، كما يحرصون على دخول مزارع النخيل وشراء التمور بأنواعها، حرصاً منهم على بركة المدينة المنورة في التمور، كما هو ثابت عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في الحديث الشريف.
خدمات متقدمة
وفي موقع آخر، التقت الوطن زواراً من جمهورية باكستان الذين أشادوا بالخدمات المتقدمة والتي تستهدف في مجملها راحة الحجاج والمعتمرين. وأشاد قائد الحملة، حسين زاد أبوطالب، بـ الاهتمام الذي توليه حكومة خادم الحرمين الشريفين بمعالم المدينة ومواقعها التاريخية، إضافة إلى تذليل كل الصعوبات والعوائق التي تواجه الزائر بتوفير مراقبين ميدانيين ومشرفين يستمعون لآراء الزوار ومقترحاتهم ومشكلاتهم والعمل على إنهائها بسرعة وبالشكل المطلوب واللائق بمكانة المدينة المنورة الدينية والثقافية. ويرى أبو طالب أن المدينة المنورة استحقت، بما تحويه من معالم إسلامية وآثار، أن تكون محل أنظار العالم بأسره كعاصمة للثقافة العربية للعام المقبل. وحول الأماكن التي يحرص زوار باكستان على زيارتها قال أبو طالب: تحتفظ المدينة المنورة بجملة من المواقع التاريخية والإسلامية، غير أن من أولويات الزائر الباكستاني بعد الصلاة بالمسجد النبوي ومقبرة البقيع، موقع المساجد السبعة ومسجد الإجابة، كما يحرص على زيارة مسجد الجمعة ومسجد الغمامة.
ثقافات الشعوب
أما أمانة المدينة المنورة فأعادت، بحسب ناطقها الرسمي المهندس عايد البليهشي، تأهيل بعض الأماكن التراثية والتاريخية المنتشرة في مناطق متفرقة في المدينة المنورة، وذلك لإبراز القيمة الحضارية للمدينة المنورة المستضيفة لفعاليات تظاهرة عاصمة الثقافة وتنمية ما تقوم به من دور رئيسي في دعم الإبداع الفكري والثقافي وتعميقاً للحوار الثقافي والانفتاح على ثقافات وحضارات الشعوب وتعزيز القيم التاريخية للمدينة، موضحاً أن إعادة التأهيل تشمل محطة سكة الحديد الحجازية، وميدان العنبرية ومسجده الأثري، وميدان شهداء أحد، كما تم استصلاح وتقويم وادي قناة وإعادة بناء مسجد شهداء أحد.
وأشار البليهشي إلى أن عدداً من الجهات الحكومية تقوم بجهود كبيرة من خلال خطة مشتركة تشرف عليها هيئة عليا بإشراف مباشر من أمير منطقة المدينة المنورة، الأمير عبدالعزيز بن ماجد بن عبدالعزيز، لتستقبل المدينة المنورة اللقب بحلول العام الجديد بما يتناسب مع هذا المحفل الثقافي الكبير، كما قامت، استعدادا للاحتفاء بالمدينة المنورة عاصمة للثقافة العربية، بإعادة تجميل الحدائق وإقامة الفعاليات فيها وتزيين عدد من الميادين بالمدينة المنورة حرصاً منها على تنمية الرصيد الثقافي والمخزون الفكري والحضاري للمدينة المنورة.
أدق التفاصيل
من جانبه أكد مدير الجامعة الإسلامية، الدكتور محمد بن علي العقلا، أن المرحلة الأولى من احتفالات المدينة المنورة عاصمة الثقافة، تم الانتهاء منها وتم تحديد الجهات التي ستشارك في التنفيذ بإشراف مباشر من قبل رئيس اللجنة العليا للاحتفال، أمير منطقة المدينة المنورة، الذي يتابع أدق التفاصيل في دعم الحركة العلمية والثقافية في المدينة المنورة لإحياء هذه المناسبة، مشيراً إلى أن انطلاقة احتفالات المدينة المنورة عاصمة الثقافة الإسلامية 2013 ستتوافق مع ذكرى وصول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى المدينة المنورة في شهر ربيع الأول من العام الأول للهجرة النبوية.
وقال: المدينة المنورة هي عاصمة الإسلام الثقافية الأولى، وقبل أن تصبح عاصمة الثقافة الإسلامية فإنها تبوأت لقبًا لا تحمله مدينة في العالم وهو عاصمة الإسلام الأولى، وثاني أقدس الأماكن لدى المسلمين بعد مكة المكرمة، وهي مأرز الإيمان، ومهاجر الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومثوى جسده الطاهر. ولمنزلتها العظيمة كانت وجهة طلاب العلم الشرعي من أنحاء الدنيا، لما تشهده من أنشطة وحراك متنوع في المؤسسات التعليمية والفكرية والثقافية.
وكشف الدكتور العقلا عن تقدم الجامعة الإسلامية بطلب إقامة مؤتمر دولي للكتاب بمناسبة اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية، كما سينظم المؤتمر الدولي الثاني للأوقاف، باعتبار أن أول وقف في الإسلام انطلق منها.
وحول اختيار المدينة النبوية عاصمة للثقافة الإسلامية، تحدث عدد من المثقفين والأكاديميين، معتبرين أن اختيار المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية عام 2013 يعطيها ما تستحقه من مكانة في قلوب المسلمين والعرب، والتي انتشر منها العلم والمعرفة التي أضاءت للعالم طريقه نحو التقدم والرقي، وجاء اختيارها ليحرك قلوب المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، شوقاً وعاطفة تجاه الأرض الطاهرة التي استقبلت خير البشر في هجرته المباركة التي تعد أعظم الأحداث أثراً في التاريخ الإسلامي كله.
وكان الأميرعبدالعزيز بن ماجد أعلن صدور القرار السامي الرقم 4730 / م ب وتاريخ 9/ 6/ 1431هـ بالموافقة على اقتراح معالي وزير الثقافة والإعلام لترشيح المدينة المنورة عاصمة للثقافة الإسلامية لعام 2013، واستضافة الدورة الثامنة للمؤتمر الإسلامي لوزراء الثقافة في المدينة المنورة في ضوء ما قررته المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.