كلما زادت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حجم العقوبات للضغط على إيران، فإن ذلك يجعل طهران تزداد تعنتا بدلا من الموافقة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. الكبرياء هو الذي يجعل القادة الإيرانيين مستمرين في برنامجهم
يوم الخميس 13 سبتمبر، وجهت الوكالة الدولية للطاقة الذرية توبيخا لإيران بسبب عدم استجابتها لمطالبها بالحد من تخصيب اليورانيوم وعدم توضيح جوانب مقلقة في برنامجها النووي، كما اتهم مسؤول أميركي إيران بأنها تدمر بشكل منظم منشأة بارشين.
جميع الدول في الوكالة الدولية للطاقة الذرية مررت قرار توبيخ إيران وافقت على القرار باستثناء كوبا التي صوتت ضد القرار، كما امتنعت ثلاث دول هي مصر وتونس والإكوادور عن التصويت.
القرار الذي اقترحته الولايات المتحدة والصين وروسيا للوكالة الدولية للطاقة الذرية فتح الطريق لقرار آخر ربما يتم تمريره في مجلس الأمن الدولي في أكتوبر. قرار مجلس الأمن المرتقب قد يفرض جولة جديدة من العقوبات على إيران التي خضعت لأربع جولات من عقوبات مجلس الأمن بسبب برنامجها النووي المثير للجدل. البرنامج النووي الإيراني تدعي طهران أنه برنامج سلمي بينما يقول المجتمع الدولي إنه تجاوز المستوى السلمي ويهدف لبناء قنبلة نووية.
الجولة الجديدة من الاجتماعات مع القوى العالمية التي تسمى مجموعة دول 5+1، بعد عام ونصف من توقفها، بدأت من جديد في الربيع الماضي، ولكن بعد اجتماعات عالية المستوى في روسيا وفي تركيا انتهت الاجتماعات إلى طريق مسدود آخر بعد شهور من المفاوضات. ولكن لماذا يهتم المجتمع الدولي بالبرنامج النووي الإيراني ونتائجه؟ شعوب المنطقة بل وشعوب معظم أنحاء العالم يريدون أن يعرفوا ماذا سيحدث بشأن الملف الإيراني في نهاية المطاف، وإذا كانت الشعوب الأخرى قلقة من البرنامج النووي الإيراني وتطوراته وما قد ينجم عنه من تداعيات، فإن الشعب الإيراني أولى بأن يشعر بالقلق ويطرح التساؤلات في هذا الموضوع. فهل يصدق الإيرانيون أن حكامهم يسعون لصنع قنبلة نووية؟ كيف ينظر الإيرانيون إلى المجتمع الدولي والعقوبات الاقتصادية القاسية التي يطبقها على إيران، والتي لم تطبق مثلها على أي دولة أخرى في التاريخ باستثناء كوريا الشمالية؟
الشعوب في منطقة الشرق الأوسط مهتمة بالأمر لأن مصير إيران يمكن أن يؤثر بشكل كبير على مصيرها أيضا. أي حرب محتملة يمكن أن تقسم شعوب الشرق الأوسط بين مؤيدين لإيران وآخرين قد يكونون سعداء لرؤية النظام الإيراني يكافح من أجل بقائه في حرب مع القوى الكبرى.
بقدر ما نسمع عن التهديد الإسرائيلي المحتمل ضد إيران، نسمع أيضا عن المبادرات التي يقدمها الرئيس الأميركي من أجل تسوية الملف النووي الإيراني عن طريق المفاوضات. لماذا لا يتخذ القادة الإيرانيون قرارا نهائيا لوضع نهاية لهذا الصراع ويجلسون مع ممثلي المجتمع الدولي ويجيبون على تساؤلاته بشكل حقيقي وصادق؟ في رأي بعض المحللين الإيرانيين فإن النظام في طهران يحب ممارسة لعبة القط والفأر. من الجنون تصديق أن قادة إيران يحبون تعريض شعبهم لضغوط صعبة، ولكن إذا لم يكن هناك فعلا ما يخفونه، لماذا يعترضون على السماح للمفتشين الدوليين بزيارة موقع بارشين العسكري؟
ربما كانت الحقيقة أنهم لم يعودوا يستطيعون التراجع الآن بعد كل هذا الحديث عن محاربة الإمبريالية والإصرار على أن مواقفهم تستند إلى الحق وتعريض الشعب للمعاناة فترة طويلة. ولذلك كلما زادت الولايات المتحدة والمجتمع الدولي حجم العقوبات للضغط على إيران، فإن ذلك قد يجعل النظام الإيراني يزداد تعنتا بدلا من الموافقة على الجلوس إلى طاولة المفاوضات. قد يكون الكبرياء هو الذي يجعل القادة الإيرانيين مستمرين في برنامجهم. وحتى لو صدقنا أنهم يسعون لصنع قنبلة نووية، هل علينا أن نصدق أنهم يريدون أن يدمروا إسرائيل؟ وماذا بعد أن يحصلوا على القنبلة النووية؟ هل يستطيعون أن يقدموها للشعب الإيراني بدلا من الغذاء والدواء ويطلبوا منهم أن يأكلوها ويشعروا بالفخر؟
كوريا الشمالية مثال جيد. الكوريون الشماليون أكثر شعب يتعرض لسوء التغذية في العالم مع أنهم يمتلكون القنبلة النووية! هل يستطيعون تدمير عدوهم الأول؟ وهل يستطيعون أن يحسنوا نوعية حياة شعبهم؟ وما هي هذه الهيبة التي قد يتمتع بها مجتمع معزول وقد تخلى الجميع عن شعبه؟ أذكر أنه عندما مات كيم يونج إيل وزع ابنه سمكا مجمدا في بيونج يانج من أجل ذكرى والده. وأعتقد أن الشعب في العاصمة الكورية الشمالية شاركوا حينها في جنازة الزعيم الراحل بمشاعر قوية بسبب سخاء الزعيم الجديد!
ما ينتظره قادة إيران حاليا هو أن تعرف إذا ما كان الرئيس أوباما سيبقى في السلطة أم لا ليحددوا بعد ذلك خطوتهم التالية. بالتأكيد فإن القرار الجديد لمجلس الأمن، الذي سيتم اتخاذه في أكتوبر، لن ينتظر إلى ما بعد الانتخابات الأميركية في 6 نوفمبر. علينا أن نأمل أيضا أن الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد قد يحاول أن يفعل شيئا مختلفا في آخر سنة له في منصب الرئاسة. فهل نتوقع أن يتخذ الرئيس أحمدي نجاد، ليترك بصمته على تاريخ إيران، خطوات حاسمة في آخر شهور له في المنصب ويعبر عن رغبات الإيرانيين بشكل علني ليصنع التاريخ؟ ماذا عن الانتخابات الرئاسية في إيران؟ هل ستتأثر باليقظة العربية أم أنها ستكون مثل غيرها من الانتخابات السابقة؟
ما نستطيع أن نقوله إن عام 2013 سيكون مليئا بالتحديات والمفاجآت للكثيرين منا، خاصة في الشرق الأوسط.