التزايد المستمر غير المبرر اقتصادياً في استهلاك الطاقة المدعومة يستنزف الموارد المالية للدولة، ويضعف قدرتها على التصدير، ويؤثر سلباً على حجم احتياطياتها من البترول، ويحرم الأجيال القادمة من حقها في هذه الثروات الوطنية الناضبة
في يوم الخميس الماضي 15 يوليو، رفعت شركات توزيع البترول في الإمارات العربية المتحدة سعر لتر البنزين بمقدار 20 فلساً (أي بنسبة 13% تقريباً) ، بحيث أصبح سعر اللتر بين 1.61 و1.83 درهم (حسب نوع البنزين). وكانت هذه الزيادة هي الثانية من نوعها خلال أقل من ثلاثة أشهر، حيث رُفع سعر اللتر بمقدار (15) فلساً في 21 أبريل الماضي.
وفي تبرير زيادة أسعار البنزين، أوضحت شركات توزيع مشتقات البترول أنها أتت في إطار خطة للتحرير التدريجي للأسعار (أي رفعها لمستوى السعر العالمي)، وتهدف بذلك إلى تقليل الخسائر التي تتكبدها تلك الشركات نتيجة الارتفاع المستمر في التكلفة، بسبب الفرق بين الأسعار التي تشتري بها تلك الشركات المنتج وأسعار البيع على المستهلك النهائي.
وبالطبع ما زالت الأسعار في الإمارات، حتى بعد الزيادة، أقل من السعر العالمي للبنزين. إذ يبلغ سعر لتر البنزين في السوق العالمية حالياً حوالي (65) سنتاً أمريكياً أو (2.4) درهم. وهذا ليس سعر البيع للمستهلك النهائي طبعاً، إذ تّضاف إليه في معظم دول العالم ضرائب باهظة، بحيث يتجاوز السعر في بعض الدول الأوروبية ثمانية دراهم للتر الواحد.
ويتولى تحديد أسعار البيع في الإمارات لجنة مشتركة تضم ممثلين عن شركات توزيع الوقود، بإشراف من وزارة الطاقة، وتقوم اللجنة بمراجعة دورية لأسعار البنزين، لتحديد نسب الزيادة، وتهدف إلى الوصول إلى التحرير الكامل للأسعار، أي مقاربة الأسعار المحلية للأسعار العالمية، وإلى تحديد الأسعار المحلية حسب تكاليف الإنتاج والسعر العالمي، سواء بالزيادة أو التخفيض، وذلك بآلية شبيهة بما يتم تطبيقه على الديزل من عام 2006.
وهذه الخطوات التي اتخذتها الإمارات العربية المتحدة خطوات مهمة في سبيل ترشيد استخدام الطاقة وتخفيف الخسارة الاقتصادية الجسيمة التي تنتج عن بيع البنزين ـ ومشتقات الطاقة عموما ـ بأسعار أقل من سعرها العالمي. وهذه الخسارة تتعدى بكثير خسارة شركات التوزيع في الإمارات، والتي قدرها بعض الاقتصاديين بنحو (12) مليار درهم سنوياً.
فالخسارة الاقتصادية التي أشرتُ إليها تأتي نتيجة عدة عوامل، تساهم في انخفاض الكفاءة الاقتصادية للدولة. وأول هذه العوامل هو أن البترول حينما يُباع في السوق المحلية بأقل من السعر العالمي فإن ذلك يُحدث تشوهات في تقنيات إنتاج واستخدام الطاقة، نظراً إلى أن توافر الطاقة الرخيصة لايشجع الشركات على استخدام تقنيات تتمتع بالكفاءة، ولا يساعد على ترشيد استخدام الطاقة نظراً إلى أن المستهلك لا يشعر بالتكلفة الحقيقية للبترول، وبالتالي ليس لديه الحافز الكافي للترشيد. ومن هنا فإن بيع الطاقة بأسعارها الحقيقية يُساعد المستهلك ـ فرداً كان أو شركة ـ على اتخاذ قرارات صحيحة بشأن ترشيد الأستهلاك.
والعامل الآخر الذي يساهم في خفض الكفاءة الاقتصادية هو التكلفة العالية على الدولة بسبب بيع مشتقات البترول بأقل من سعرها الحقيقي. ذلك أن الفرق بين السعر العالمي والسعر المحلي للطاقة هو، في حقيقته، مساعدة تُقدّم دون ضوابط، أي دون اعتبار إلى احتياج المستهلك إلى هذا الدعم وظروفه.
ومن الواضح أن الأسرة الفقيرة والموظف والعامل البسيط يستحقون الدعم الحكومي، وسينخفض دخلهم الحقيقي بالفعل بسبب رفع أسعار مشتقات البترول. ولكن الأسر الغنية، والشركات والمؤسسات، ليست في حاجة إلى هذا النوع من الدعم، وتستطيع بكل سهولة تحمل الأسعار الجديدة، بل يمكن أن تتحمل زيادتها لتصل إلى معدل السعر العالمي للطاقة.
ويمكن تحييد آثار رفع أسعار مشتقات البترول على الأسر الفقيرة عن طريق تعويض عن خسارتها من خلال برامج الضمان الاجتماعي، ورفع رواتب صغار الموظفين، أو تقديم كوبونات للحصول على احتياجاتهم الفعلية من البنزين بأسعار مخفضة. وستكون تكلفة برامج الدعم هذه ضئيلة جداً مقارنةَ بتكلفة الدعم الذي يقدم دون اعتبار لحاجة المستهلك.
وهناك نقطة تجب الإشارة إليها فقد يظن البعض أن الدعم الحكومي للاستهلاك المحلي للبترول يأتي دون عواقب، فالخير كثير وزيادة رفاهية المواطن أمر مطلوب. ولكن الحقيقة أن هذا الدعم يأتي بالضرورة على حساب برامج أخرى يمكن أن تزيد في رفاهية المواطن، أما الهدر في استخدام الطاقة فليس من الرفاهية في شيء على المدى البعيد. بل إن التزايد المستمر غير المبرر اقتصاديا، في استهلاك الطاقة الرخيصة محلياً يُضعف من قدرتهاـ الدولة ـ على التصدير ويؤثر سلباً على حجم احتياطياتها من البترول، مما يعني تقصير العمر الافتراضي لآبار البترول، وحرمان الأجيال القادمة من حقها المشروع في هذه الثروات الوطنية الناضبة.