في كل مرة أقرأ أو أسمع فيها رأيا دينيا أو فتوى يصدرها الشيخ عبد المحسن العبيكان المستشار في الديوان الملكي بمرتبة وزير؛ أردد فيها دعائي لهلا أسكت الله لك صوتا، وسخرك الرحمن للحق قولا وفعلا ، أقولها من أعماقي وإن اختلفت مع ما أصدره من رأي ديني؛ وسبب ذلك يعود إلى أن المتابع لما يصدره من رأي وفتوى يجده ينبع من قلب مخلص، وصدر صادق لا يخاف في الله لومة لائم؛ وضمير عالم يسعى للتنوير الديني وفق منهج يعتمد أصول الشريعة، ويؤمن بالاختلاف الفقهي للمذاهب الصحيحة مستوعبا جوهر اختلافها في رحمة المسلمين؛ فأفاد منها فيما يتلمسُ بين يديه من حوائج الناس في زمن تُسابق فيه ضروريات الحياة إنسانها.
ولهذا، يُعد العبيكان من أوائل العلماء السعوديين الذين تصدوا للإرهاب والفكر التكفيري الجهادي؛ وعززوا من روح الوطنية والتسامح؛ ومن أوائل من خرجوا بفتاوى جريئة توسع على الناس ضيق الفتوى؛ أبرزها جواز فك السحر بالسحر منذ بضع سنوات؛ وآخرها جواز تأخير صلاة الظهر اتقاء الحرارة الشديدة خلال الشهر الحالي؛ ومنذ أيام قوله بجواز الصلاة خلف مبيح الغناء ردا على فتوى عالم تحدث ضد ذلك؛ ورغم معارضة من عارضه حد التجريح والمطالبة بحجر صوته؛ لم يخش على منصب أو جاه يتمتع به، ولم يصده من تتابع آرائه وفتاواه بجرأة الحق والحجة؛ رغم أنه كبقية العلماء السعوديين؛ تلقن علمه من ذات المصادر الشرعية؛ واستمد فقهه من ذات السياق الديني؛ وهو سياق تخشى منه قلوب غيره الخروج عن مساره أو التصادم معه بعد أن فتح أصحابه باب سد الذرائع على مصراعيه، وسكتوا عن الاختلاف الفقهي اجتهادا خشية وقوع العباد في الفتنة.
قد يقول قائل أين أنتِ عن فتوى إرضاع الكبير للعبيكان ؟! وهي الفتوى التي كتبتُ عنها مقالا أرفضها؛ لكني كما ذكرتُ فيها أني لا ألوم الشيخ العبيكان أبدا فيما أفتى به بشأنها؛ لأنه لم يقلها من هواه، بل كان ناقلا لرأي قال به علماء قدماء ونقلتها كتب التراث الديني؛ وهم أنفسهم وكتبهم ممن ينقل عنهم من هاجموه وعارضوه في هذه الفتوى؛ آراء وفتاوى أخرى يلزمون الناس بها؛ ولهذا أسجل استغرابي ممن هاجموه بسببها!! والأولى أن يعترضوا على ذات الكتب وأصحابها ممن نقل عنهم هذه الفتوى التي رفضوها وأخذوا بغيرها !!
ولهذا أقف هنا تقديرا واحتراما للعبيكان؛ كيف لا ؟! وهو من أوائل العلماء السعوديين الذين شجعوا الاجتهاد وإعمال العقل المستند على النص والنقل؛ ومن أبرز الذين واجهوا التجريح والتعريض ممن هم أقل منه علما ومكانة، فقابلهم بالعفو؛ وأبدل سيئ قولهم في رده عليهم بحسن قوله؛ وهذا ما لا يغيب على المؤمن الفطن.