تتجاهل التربية مبدأ يعرفه الصغير قبل الكبير وهو أهمية التأسيس الصائب، فمرحلة الابتدائية في مدارس التعليم العام آخر الاهتمامات، ولا نتعجب حين نعرف أن أبناءنا وبناتنا باتوا يعرفون جيدا أن تعليمهم لا يحقق طموحاتهم! خاصة بعد المناهج المطورة التي يجدها الكثيرون تمشي يمينا بينما البيئة التعليمية الفقيرة ومعظم المعلمين والمعلمات خاصة المسنين منهم يسيرون يسارا! ولا التقاء بينهما! لماذا أقول ذلك؟ لأن معظم معلمي هذه المرحلة يقومون بتدريس مواد في أغلبها ليست تخصصاتهم! فمعلم الدين تجده يدرس الرياضيات والعلوم فيما معلمة العلوم تدرس الدين واللغة العربية وتجد معلم الفني يدرس التاريخ والجغرافيا وهكذا خلطبيطة يتحول فيها المعلم أو المعلمة شنطة كشكول! ولا مراعاة للتخصص، وكل يجتهد منهم في التدريس بما يعرف ولا يعرف! فيما الدول المتقدمة تجعل معلمي ومعلمات هذه المرحلة من خريجي الماجستير والمتخصصين وأفضل الكفاءات لديها تعينهم في مدارس الابتدائية لأنهم يدركون جيدا أن التأسيس هو الأهم لبناء جيل الغد.
المأساة أنه مع طريقة التقويم المستمر الذي ينجح فيه الجميع من صف إلى صف وإن كان بعضهم يجهلون كيفية كتابة أسمائهم، بات ضمير كثير من المعلمين والمعلمات في الثلاجة! وحين تسأل أحدهم أو إحداهن لماذا؟ يقول لك هذه ليست مسؤوليتي، بل الوزارة تتحمل وزر الصغار! فمعظمهم يُرغمون على تدريس غير تخصصاتهم بجانب عدم توفير وسائل التعليم الحديثة التي تتناسب مع المناهج المطورة المكلفة الثمن! ويزيد الأمر تعاسة على من أمضوا في سلك التعليم أكثر من 20 سنة، خاصة المعلمات! فمنهن من أصبحن جدات لمن في أعمار طالباتهن، فيما طوال فترة عملهن السابقة يعملن بطريقة التدريس القديمة، ناهيكم أن معظمهن بات مصابا بأمراض كالسكر والضغط وتبعات التقدم في السن بجانب هموم البيت ومشاكله! وطبعا لكم أن تتخيلوا كيف ستكون العملية التعليمية في ظل إجبارهن على 24 حصة هي نصاب التدريس مع طرق جديدة تعتمد وسائل إنترنت لم يعتدن عليها ولا يعرفن كيفية استخدامها، سوى دورات لثلاثة أيام وحقيبة مدرسية تكفلت الوزارة الموقرة بإعطائهن وقالت لهن الميدان يا حميدان!!
خلاصة الأمر، التطوير الذي تنشده وزارة التربية والتعليم يجب أن يكون مكتمل النمو وليس طفلا خديجا يتمثل في تطوير مناهج فيما بيئة العمل وفريق العمل أكل عليه الدهر وشرب !! وما أراه من تطوير إنما هو عشوائي يرتجف خوفا ويستنزف المليارات على الفراغ!! إن التطوير الحقيقي يبدأ بتكريم الجيل القديم ممن أمضى أكثر من 20 عاما في التعليم والإدارة وإعطائه الشيك الذهبي وإحلال المتخرجين والمتخرجات من شبابنا وشاباتنا العاطلين محلهم ليكملوا المسيرة بأدوات العصر! فكلنا ندرك أنه لا يمكن أن تبذر بذور خضراء في صحراء قاحلة!