الآن وقد أقبل الصيف فقد يكون من المناسب إعادة الحديث عن هذا المثلب في حياتنا والذي سبق أن تطرقت إليه في مقال سابق. ولكن أحد الأصدقاء لامني إذ إنني لم أضع النقاط على الحروف! عن سلبيات ذلك التجوال السنوي لمعظم العوائل الخليجية والعربية. ولقد تساءلت يومها عن فئة الشباب العربي على الأقل في مجتمعاتنا وقلت: هل يستفيدون من وقت العطل والإجازات الصيفية ويستغلون وقت فراغهم بما ينفعهم وبلدانهم؟ وهل يحق لنا أن نتذكر تلك الأيام الخوالي ونقول: لقد ذهب ذلك الزمان الجميل يوم أن كنا في بداية حياتنا العلمية ما نكاد نغادر باب البيت أو الدائرة حتى نبدأ بترتيب الأمور لرحلة داخلية أو خارجية تجلب لنا المتعة والفائدة وتعوضنا عن أيام الملل والروتين لكنها على كل حال مفيدة؟
هذا في أول مشوارنا في الحياة، ثم جاءت المرحلة الثانية التي أصبحنا فيها نستغل الإجازة بطريقة أكثر فائدة وجدوى من الرحلات والركض والانطلاق.
أصبحنا نحاول القراءة وتثقيف أنفسنا وممارسة بعض الهوايات الحضارية التي أفرزها عصر المخرجات الحديثة والكمبيوتر والفيديو وجنون السباق مع الزمن في كل مجالات العصر المفيدة.
وبعد ذلك جاءت المرحلة الثالثة، وهي المرحلة المتخمة بالمسؤولية وتحقيق الذات، فإذا بنا نتعب أمام تزايد الواجبات تجاه الأسرة والأولاد والمجتمع والمعارف، علاوة على واجبات العمل الوظيفي ويشتد العبء حين يكون لدى أي منا نوع من الاهتمامات أو التطلعات الإبداعية في أي مجال من المجالات الفكرية أو الإنسانية التي تحتاج إلى الوقت وإلى الجو المريح والهدوء!
لكن السؤال: هل يفعل شبابنا اليوم أياً من ذلك؟ لا أعتقد مطلقاً أن هناك من يفكر بهذا الأسلوب في هذا العصر وإنما الأمر سفر وراء سفر و(صرمحة) لا طائل من ورائها، بل الأمر أصبح تفاخراً ومناظرات في اللبس والسكن أين ذهبتم إلى كان أو باريس ثم لندن أو على الأقل شرق آسيا.
وإذا ذهبت إلى لندن فسوف تشاهد العجب العجاب، عائلات من بلادنا الخليجية بملابس غريبة وجوالات على الكفوف وتصرفات غريبة عنا.
ماذا حصل لنا؟ هل هي خضة قوية فقدنا على أثرها توازننا بفعل المال أم بفعل التقليد؟ آمل أن أكون واهماً ومبالغاً، هكذا يقول صديقي... المهم أن معظم تكاليف هذه الرحلات الصيفية ديون تجر ديوناً على ظهر رب العائلة العابثة، مما يؤكد أن هذه الأفعال ليست بفعل الغنى!
لابد أن نعدل من هذا الوضع وأن نخاف الله في أنفسنا وفي شبابنا وبلادنا. وعلينا أن نتكاتف لترشيد هذا النزيف الأخلاقي والمالي. أقول ترشيد إذا كان لابد من هذه المهازل (السنوية) التي تحصل في كل عام على مشهد من أنظار العالم.
الأمر يحتاج إلى وقفة عاقلة وصارمة من عقلاء هذه الأمة، لابد أن يتحرك هذا المجتمع العربي المسلم ضد هذا (الفلتان) والضياع الذي نعيشه في هذه النواحي، وعلى مجالسنا التشريعية أن تقوم بدورها بدل أن تضيع وقتها بالصراخ ومحاولاتها المستميتة لمحاكمة الأفعال والنوايا الخفية، وأن يبادروا لمعالجة هذه الأدران والعلل التي تعاني منها شعوبنا العربية، والخليجية في مقدمتها، وليست آفة السفر والنزوح السنوي إلى بلاد غريبة عنا في كل شيء. علينا أن نسعى إلى لملمة فضائحنا وأن نستتر عن الآخرين بكل الوسائل الممكنة، وأن يكون ضمن ما يتخذ لمعالجة هذا النوع من الترف تكليف سفاراتنا في البلدان التي يرتادها عشاق السفر والضياع من إخوتنا وشبابنا وشيوخنا أحياناً بمراقبتهم والمحافظة عليهم وترشيدهم بالشكل الذي يجعلهم لا يسيئون إلى بلدانهم وأهليهم وأنفسهم والتمادي في كشف كل مستور أمام العالم على جنبات وطرقات لندن وباريس وكان وجنيف وفي كل الأصقاع البعيدة!!