الفتاة تحتاج إلى الزواج مثلها في ذلك مثل الشاب، حتى لو كانت حاجاتها العاطفية أعلى من حاجاتها الغريزية، بعكس الشاب، لكنها قاعدة لها الكثير من الاستثناءات

جاء في الخبر الأول الذي نشرته صحيفة الوطن الأسبوع الماضي أن محكمة شرعية في المدينة المنورة نقضت دعوى عضل تقدمت بها طبيبة سعودية لنزع ولاية والدها بحجة منعها من الزواج؛ وجاء الحكم بعد مرور 5 سنوات على وجود الطبيبة التي تجاوزت الأربعين عاماً، في دار للحماية الأسرية، إثر تعرضها لعنف أسري وضرب مبرح بأدوات صلبة، وبحسب الصك الصادر عن المحكمة فإن القاضي صرف النظر عن دعوى المدعية نتيجة اتهامها بالعقوق وإصرارها على طلب الزواج بالرغم من رفض والدها. وفي اليوم التالي نشرت الوطن خبراً عن شقيقات الطبيبة الجراحة مفاده أنها ليست الوحيدة التي حرمت من الزواج بل صرحت أختها أنها و3 شقيقات أخريات رفض والدهن تزويجهن لأنه يقيد زواجهن بشرط أن يكون المتقدمون لهن من أبناء عمومتهن أو من أفراد القبيلة، وأوضحت أنها تعمل معلمة وتبلغ من العمر الآن 32 عاما، فيما تعمل أخت أخرى لها في نفس المهنة، بينما تبلغ الأخريان 30 و 28 عاما.
السبب المباشر للعضل هو البحث عن الزوج المكافئ في النسب، لكن السبب غير المباشر هو أن الأب يريد أن يستحوذ على أموال بناته بغير وجه حق، فيمنعهن من أبسط حقوقهن وهو الزواج، أما الصورة المرافقة للخبر الأول فهي لإحدى الكدمات الناجمة عن الضرب الذي تعرضت له الجرّاحة على يد أبيها أو أخيها، وهي صورة صادمة لأي شخص يعيش فعلياً في القرن الواحد والعشرين.
أما الفتاوى فإنني أشعر بالأسف لفتوى الشيخ الكلباني الذي أباح مؤخراً زواج المسفار حتى لو كان بنيّة الطلاق ما دامت الغاية هي الإحصان، وكانت فتواه جواباً على شكوى مبتعث من برود زوجته ويخشى أن يقع في الزنا، فسمح له الشيخ بناء على فتاوى قديمة بزواج المسفار، فلا مشكلة فيه، مثله في ذلك مثل المسيار ما دامت المرأة متنازلة عن حقها في المبيت والنفقة.
أترك قضية الطبيبة وأخواتها لآخر المقالة كي نناقش قبلها قضية فتوى الزواج بنية الطلاق دون غضّ النظر عن تاريخها الذي يعود إلى عصور لا تعتبر المرأة سوى شيء يحتاجه الرجل كاحتياجاته الغرائزية المختلفة، أما المرأة فلا غريزة لها ولا حاجات ولا متطلبات، مع أنه قبل ذلك العصر الذي صدرت فيه هذه الفتوى، سمع عمر رضي الله عنه امرأة تنشد شعراً تعلن فيه عن شوقها لزوجها ولولا خوفها من الله (لحرّك من هذا السريرجوانبه ) فما كان من عمر إلا أن تبنّى قضيتها وراح يسأل ابنته حفصة كم تصبر المرأة عن زوجها فذكرت أن أكثر مدة للصبر هي 4 أشهر، وأنا كطبيبة أشهد أن هذه المدة التي استمدتها حفصة من القرآن صحيحة علمياً من الناحية الغرائزية، كأقصى مدة لامرأة لم تدخل بعدُ سن اليأس، فالحاجة الغريزية تختلف حسب الثقافة والبيئة والعمر.
سؤال المبتعث مستفز إلى أقصى درجة، فرغبته في الزواج الثاني - مسفاراً كان أم مسياراً - هي بسبب برود زوجته، وكان من واجب الشيخ أن يسأله عن زوجته التي هي غالباً تحت الأربعين – بسبب سن الابتعاث – فالصراحة راحة، وبرود الزوجة ليس بسببها بل بسبب انعدام الصراحة بين الزوجين، هذا من جهة، ومن جهة أخرى فلأن الزوج لا يدرك أنه يتعامل مع إنسان مختلف عنه في إيقاعاته واستجاباته، وفي الأحاديث النبوية الكثير مما يمكن استنتاجه عن حقوق المرأة الجنسية، ومنها (أن يجعل بينهما رسولا: القبلة والكلام) ومنها: (أن يمهلها حتى تقضي نهمتها)، وقول النبي عليه الصلاة والسلام لجابر وهو عائد معه من سفر: (الكَيَس.. الكَيَس) وفسره مفسرون بأن يكون حريصاً على الولد، بينما كلمة (الكياسة) كلمة جامعة مانعة بالتعامل مع المرأة جنسياً، خصوصاً لمن هو حديث عهدٍ بعرس كجابر، ونصيحة عائشة رضي الله عنها لابن أخيها أن يقبّل زوجته حتى في رمضان، وهي تضحك قائلة إن الرسول الكريم كان يفعل هذا، وهذا غيض من فيض.
وصلتني رسالة من طالبة تدرس في الغرب – لا أدري ما هي جنسيتها لكنها عربية بالتأكيد – تخبرني عن شكواها التي تماثل تماماً شكوى هذا المبتعث إلا أنها غير متزوجة، فهل أنصحها بزواج المسفار أم المسيار وكلاهما ليسا إلا وجهاً لزواج المتعة الذي نعيبه على طائفة معروفة ؟
الفتاة تحتاج إلى الزواج مثلها في ذلك مثل الشاب، حتى لو كانت حاجاتها العاطفية أعلى من حاجاتها الغريزية، بعكس الشاب، لكنها قاعدة لها الكثير من الاستثناءات، هذا أولا، أما ثانيا، فإن النساء شقائق الرجال، مما يعني أن كلا منهما لديه الهرمونات نفسها على اختلاف نسبها بين الذكر والأنثى، ولذلك فإن الشعور بالرغبة في الحب والغريزة موجود لدى الجنسين، وبالنسبة للفتاة فإن غريزة الأمومة قد لا تكون واضحة قبل الزواج دائماً، ولكنها في الحقيقة من أعلى الغرائز صوتاً لدى الأنثى بعد الزواج، ولذلك فإن الغزالي الذي وضع الأنثى بمنزلة أقل من الذكر عندما حضّ الرجل على الزواج كي يحصن نفسه ويجد من يقوم بخدمته، فإن هذا الخطأ يُغفر له مقابل أنه حضّ على تزويج الفتيات انطلاقاً من تشبيهه الأنثى بالأرض والذكر بالبذر، لذلك فإن عضل البنت من الزواج كمن يحوّل الأرض الخصبة إلى أرض بور، وعقابه عند الله عظيم.
طبعا هذا التشبيه غير مقبول في عصر حقوق الإنسان، ومع ذلك فقد استدعيته لنقارن حالة الطبيبة - وأخواتها المعضولات من الزواج - بحالة المبتعث الذي يريد المزيد من الزوجات، فهو يحق له أن يتزوج من شاء ومتى شاء وبأي شكل شاء، أما هي فقد تجاوزت الأربعين وهي ممنوعة من الزواج، فإلى متى هذا التجاوز على شرع الله برخص للذكور ما أنزل الله بها من سلطان؟ وإلى متى هذا الظلم على بنات حواء؟!