خلال الأسابيع الأولى بالصف الأول الابتدائي، أتذكر أنني كنتُ على مقعدي، مطيعة وانطوائية، وجاءتني زميلة شريرة لتسرق برايتي، فرفضت، إلا أنها حقدت عليّ، وفي فُسحة المدرسة جلستُ أمام الساحة وحيدة لأتناول فطوري، وفوجئت بطالبات أكبر جسما يتحلقن حولي، لأن زميلتي الشريرة
ـ سامحها الله ـ اشتكتني لأختها بالصف الخامس مدعية أني ضربتها وسرقت برايتها، وأختها العملاقة جاءت ومعها صديقاتها وفي عينها الشرر لماذا تضربين أختي؟! طبعا الغلبانة التي هي أنا خرست خوفا، وعينكم ما تشوف إلا النور ضربنني، وأخذن مصروفي وفطوري، وبعدها كل ما فكرت فيه كيف أعود لأمي خوفا، فتواريت في مكان ما من بوابة المدرسة بعد الفسحة منتظرة أمي لتأخذني نهاية الدوام، ولم أعد للفصل، ومن سوء حظي أن الحارس فتح الباب لأمر ما! ولأني ضئيلة وقصيرة لم يلحظني وأسرعت بالخروج كي أعود لأمي.
وهربت ولا أعرف ماذا يعني هروب! ووجدت نفسي في عالم أوسع، الشوارع والسيارات، والأزقة وناس مختلفين في أشكالهم وأحجامهم وأنا وحيدة بينهم، كان بيتنا بحارة الهنداوية آنذاك، أخذت أركض من شارع لزقاق ولا أعرف طريق البيت!؟ كان خروجي بعد الفسحة، فاكتشفت معلمة الفصل اختفائي، فأغراضي بالفصل، وبحثوا عني في المدرسة ولم يعثروا علي، واتصلوا بأمي، وحضرت باكية، وخرجت مهددة لهم، ثم أخذَت وأخي ـ كان طالب ثانوي ـ يبحثان عني في الشوارع القريبة، وكل هذا الوقت أناضائعة في الهنداوية أبحث عن بيتنا، حتى ألهمني الرحمن طريقا أوصلني لدكان بحارتنا قريب من بيتنا، ووصلت أخيرا البيت وقد انتصف النهار، أدق الباب باكية خائفة، فما أن فتحت أختي ـ طالبة متوسطة ـ حتى جرتني من ياقة المريول الخلفية وكأني غنيمة، تصرخ حليمة أهي .. وعينكم أيضا ما تشوف إلا النور وجدت أخي يود ضربي، فيما أمي أعطتني صفعة صغيرة لأول مرة ولم تفعلها بعدها، ثم تلقمتني بحضنها بعد أن كادت تفقد عقلها، تبكي وتحمد الله، فقد جئتها بعد سبع سنوات عجاف لم تستطع خلالها الإنجاب بعد أختي، وحمدتُ الله أن والدي كان مسافرا، وإلا كانتالعلقةساخنة، لكني كنتُ أتساءل بصمت والدموع بعيني، لماذا الجميع غاضب مني!! لم أفعل شيئا ولم أضرب تلك الشريرة التي سرقت برايتي! وظننت أنهم غاضبون بسبب ذلك، حتى هدأ الوضع وأنا بحضن أمي وسألتني، فشكوت لها ما حصل من الطالبات بسبب البرّاية، فطمأنتني ولامتني بحنان كيلا أعاود هذا الفعل، وفي اليوم التالي أخذتني للمدرسة وأنا ممسكة بعباءتها ونافشة ريشي فأمي سترجع لي برايتي!
اليوم أتذكر وأقول: كل هذا بسبب براية وأضحك، فعلا ما أجمل الذكريات لكن من الضروري أن نتعامل مع الأطفال بالنزول إلى مستوى تفكيرهم واهتماماتهم ومخاوفهم، لا العكس.