لا نعرف معجزة الخلق حتى نصطدم وبالصدفة بأمراض نحار في طبيعتها ونقول سبحان ربي، وأذكر تماما حين اجتمعت يوما وأنا أعمل في المشفى التخصصي في القصيم بحالة البروجيريا (Progeria) وهي حالة التشيخ المبكر، فترى من عمره عشر سنوات وكأنه ابن الثمانين، وكانت حالة لمريض بعمر 18 سنة فقال لي زميلي طبيب الباطنية إنها حالة نادرة يجب أن تسجل وما زلت نادما أنني لم أصور المريض؟
كان والده إلى جانبه يقول إن صحته على ما يرام سوى أنه لا يأكل جيدا، وليس عنده تصور عن طبيعة المرض، الذي لم يمهله، فقد مات بعد أيام من رؤيتي له بانفجار الوتين (شريان أبهر الصدر المترقق) فما زلت في ندم عن عدم تسجيل مثل هذه الحالات النادرة لفورها، فما يأتي لا يعود.. وهي فلسفة الحياة.
وهذا المرض الذي يتسارع فيه النمو فوق المعدل، ليس الوحيد من عجائب الطب وغرائب الجراحة، فهناك البسيط والمعقد، ولعل أعجب ما قرأته مؤخرا عن مرض التعظم، وما كنت محيطا به، فقد عرفنا عن خلل الكروموسومات وكارثتها في إنتاج مرض المنغولية، وما زلت أتذكر ذلك الشاب البسيط المشوه القسمات والطيب الحبوب في الحارة، وكان من حالات المنغولية حيث يضطرب تداخل الكروموسومات، فبدل التخلق من اثنين يدخل ثالث على الخط فيلخبط اللعبة(xxy) وجاءني في يوم رجل إلى العيادة وقال ضرب الالتهاب دماغ ابني وهو في الرحم، من مرض غريب يسمى المصورات المكورة، فعرفت ذلك وقلت له ولكن يمكن تشخيصه وهو في الرحم، قال أصرت زوجتي على متابعة الحمل مع معرفتها بأنها حاملة المرض، ولقد رأيتها وابنها في العيادة وزوجها وهم مستسلمون لقدر الله.
وقابلت صديقا لي في ألمانيا وهو رجل عنده عائلة كبيرة من البنات الجميلات والبنين الحلوين، ولكن الطفل الأخير الثامن كان طفلة مصابة بالمنغولية، وهو متقبل للحالة يشكر الله على عطائه، وقال إن الحكومة الألمانية تعطيها من العناية الشيء الكثير.
وبالنسبة لمرض التعظم فتذكر الوثائق الطبية قصة صوفي من نيويورك التي ولدت عام 1996 م ولفت نظر والدتها أن إبهامي القدمين منحرفان؟ فسألت طبيب الأطفال عن ذلك؟ فطمأنها أن لا خوف على الطفلة، وسوف يعتدل الانحراف بعد قليل، ولم ينتبه الطبيب أن هذا الانحراف هو الإنذار الخفي لكارثة عارمة في طريقها لتطويق حياة الطفلة بإصابتها بمرض التعظم.
وهذا المرض نادر للغاية ولا يعثر عليه مثلا في ألمانيا إلا لطفل واحد كل ثلاث سنوات لحسن الحظ بل ورحمة الله ولطفه بالعباد.
وفي العالم كله ثلاثة آلاف حالة فقط..
ويرمز للمرض بثلاث أحرف هي FOP فوب باللغة الإنكليزية وهي مقدمة ثلاث كلمات تعني سوء أو عسرة التليف العظمي المترقي؛Fibrodysplasia Ossificans Progressiva ويتظاهر هذا المرض المحير بأن المصاب فيه يتحول إلى تمثال من عظم مترق مع الوقت، يبدأ بالرقبة من الخلف فيمسك بها، ثم ينزل إلى العمود الظهري، ثم إلى الكتفين والذراعين فيثبتهما، كما في وضعية الصلاة، ثم يتدرج إلى الكاحلين وفي النهاية يصبح الإنسان هيكلا عظميا بدون عضلات وحركة، وبدون أربطة ومفاصل متخشبا متجمدا في الفيزيولوجيا. حي الروح ميت الحركة.. آية للمتوسمين وعظة للغافلين عن معنى الصحة والمرض.