فلنعترف أن المسافة بيننا وبين أبنائنا اتسعت مع تطور وسائل الإعلام والاتصال؛ حتى بلغت مئات السنين الضوئية! وأصبحنا وإياهم كواكب لا يجمعنا إلا الانتماء النظري إلى درب التبَّانة! بل إن كوكب التلفزيون ـ أعجوبتنا العظيمة ليوم 7/7/3007هجرية ـ غادر المجرة نهائياً! أما التربية والتعليم فهي أقرب الكواكب من سدرة المنتهى! وإن ارتطم بعضها بالأرض في خواطر6 لأحمد الشقيري!
ولو سألت أبناءنا بعض الأسئلة التي تفرضها المرحلة والأحداث المتلاحقة عن أيماننا وشمائلنا، ولم يعد مجدياً حيالها أن ندفن رؤوسنا في حضن رقابة هانم: من هو عبدالعزيز؟ وكيف وحَّد هذا الوطن المترامي الأطراف المتعدد الأعراق والمذاهب والمصالح؟ لشعرت بأنك غريبٌ كالعيد والنهار السعيد!
إن تاريخ الملك عبدالعزيز لم يكتب بعد! عبارة قالها صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، بمناسبة احتفالات الوطن بمرور مئة عام على فتح الرياض، أي عام 1419هـ، في لقاءٍ تلفزيوني لم يشاهده الكثيرون؛ لأنه بُثَّ متزامناً مع مباريات كأس العالم 98، وبعد مسلسلة الأخبار المملَّة، التي ما زالت تجلدنا بها أُعْجُوبَتُنا بمعدل أربع ساعات يومياً!
ومنذ تلك العبارة إلى اليوم لم نزد إلا تجهيلاً برمزنا الأعظم عبر إعلامنا وتعليمنا! فلو قلت لأبنائنا الآن ما قلناه مراراتٍ عديدة: إن وطننا الحديث قام على دعامتين أساسيتين: الفداء من الملك عبدالعزيز وآل سعود، يقابله الوفاء من الشعب؛ فلن تسلم من نظرات ساخرة تغمزك إما بالمدح والتزلف، وإما بالسذاجة والخوف؛ مهما حاولت أن توضح الأمر وتحكي لهم في فيلم سينمائي جاهز للإنتاج، سيناريو فتح الرياض/ ليلة الخامس من شوال 1319هـ؛ حيث قدم نخبة فرسان آل سعود أرواحهم فجراً، ولم يؤذن الظهر إلا والمصمك يغص بأبناء الشعب مبايعين مردِّدين عملياً العرضة التي أبدعها ـ فيما بعد ـ الشاعر الكبير/ عبدالرحمن الصفيان: نحمد الله جات على ما نتمنى، وكلها ابتهاجٌ بالوطن فداءً ووفاءً، ليس فيها أي مدح مباشر لـشخص عبد العزيز؛ لأن أجدادنا يقولون: المدح في الوجه مذمة! وها نحن ـ في كل سانحة ـ نتعاطى مديحاً فجَّاً، يندى له جبين الممدوح حياءً، قبل أن يسيل له لُعاب المادح طمعاً! ليس في برنامج نبطيٍّ سامج وحسب، بل حتى حين تصدر التوجيهات السامية لإغاثة أشقائنا هنا وهناك؛ يظل إعلامنا الرسمي يفسد صدقاتنا بالمن والأذى!