كل إنسان أومجموعة من الأفراد تستطيع أن تعمل على تغيير ذاتها إلى الأفضل، مع استمرارها على التغيير الإيجابي ومقاومة أي رغبة جامحة ذاتية أو من تأثير الآخرين للعودة إلى السلوكيات السلبية

كل عام وأنتم بخير وقيادة وطننا الغالي بكل خير وعافية، إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز حفظه الله، وإلى ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز حفظه الله، وإلى الأسرة المالكة والشعب السعودي، صغيرهم وكبيرهم، نتمنى لكم عيداً سعيداً وصياماً مقبولاً ودعوات مقبولة، وكلنا الوطن والوطن لنا، عيد بعد عيد، سنة بعد سنة، ورمضان بعد رمضان.
في كل رمضان، يلتزم الكثير ويتبع عادات، نوعاً ما جديدة، بعضها جيد ومحمود، وبعضها غير ذلك. فأما المحمود فهو إلى جانب كثرته وعظم ثوابه، قد يتصف بعدم الاستمرارية، وهنا تكمن المشكلة.
المداومة على الصلاة، والصلاة في وقتها، والمداومة على قراءة القرآن، والصدق مع الله والعباد، والبعد عن المال الحرام من رشوة أو أكل للمال العام، وإفشاء السلام، وحفظ اللسان، والتحلي بالأخلاق الفاضلة، وقول الصدق، والبعد عن الكذب، والصدقة بنفس راضية ومقبلة، واحترام حق الجار وحق الطريق، وقضاء جل الوقت مع الأهل والأولاد، والبعد أو حتى التقليل من مشاهدة الأفلام والمسلسلات غير النافعة، وغيرها وغيرها من العادات المباحة ينبغي ليس فقط المحافظة عليها ولكن العمل على تنميتها وتربية الأجيال عليها، وهو عمل يفرضه الإسلام ويوجبه على كل مسلم – الدين المعاملة – وهو عمل يحتاجه الوطن والمواطن على حد سواء.
ويظل السؤال الأصعب، لماذا تختفي هذه السلوكيات بعد رمضان؟ ولماذا تعود السلوكيات السلبية بعد رمضان؟ والجواب على هذه التساؤلات وغيرها ليس صعباً، فسلوك وثقافة كل مجتمع ليس إلا نتاج عوامل عديدة وليس عاملاً واحداً، وهي أيضاً وليدة سنوات وعقود خلت وليس نتيجة سنة واحدة، وهي تعكس سلوك وثقافة مجتمع أو مجموعة من الناس وليس سلوك فرد أو قلة من الناس. وهذا يعني أن أي تغيير لا يؤثر على المجتمع ككل أو يؤثر على فرد واحد قد لا يجدي أو لا يحدث فرقاً نوعياً وكمياً على المجتمع ككل.
نعم، كل إنسان أو عائلة أومجموعة من الأفراد تستطيع ـ وينبغي عليها فعل ذلك ـ أن تعمل على تغيير ذاتها إلى الأفضل، مع الاستمرار على العمل على التغيير الإيجابي ومقاومة أي رغبة جامحة ذاتية أو من تأثير الآخرين للعودة إلى السلوكيات السلبية. أن تلتزم بالصلاة في وقتها وقراءة القرآن بشكل يومي أو عند كل صلاة هو عمل فردي قبل أن يكون عملا جماعيا، كما أن الثواب من الله والرضا عن النفس حتماً قادم بمشيئة الله وفضله. والصدق في العمل والصدق والأمانة مع الآخرين أيضاً يحمل منافع فردية ورضا نفسيا عاليا، ولا يتطلب بالضرورة الانتظار لانتشار هذه العادة الحسنة بين الجميع، وإن كانت مستحبة. الخلاصة، يستطيع الفرد، وهي ليست بتلك السهولة، تغيير وتبني عادات وسلوكيات حسنة، وهي بالإضافة إلى أنها مطلوبة وطبيعية وواجبة على كل فرد شرعاً، تحمل في طياتها الكثير من الثواب والرضا عن النفس والقرب من الله والبعد عن الشيطان، أليس هذا كافياً لتبني التغيير الإيجابي؟ وأما الحصول على الثواب والرضا عن النفس من جراء التغيير الإيجابي فهي قضية وقت، وقد لا تحصل خلال وقت قصير، فالصبر والعمل على المدى الطويل هو المفتاح والأساس في مراحل التغيير الإيجابي.
وأما التغيير الإيجابي وتبني السلوكيات على مستوى المجتمع، فيمكن أن يحدث من خلال مجموعة من العوامل، مع أخذ العامل الزمني في الحسبان. حتى نحدث تغييراً إيجابياً في المجتمع، ينبغي التركيز على التعليم أولاً والأنظمة والتشريعات ثانياً.
في التعليم، وخصوصاً التعليم العام، يمكن زرع الأخلاق والسلوكيات الحميدة لدى الأطفال منذ وقت مبكر، في مرحلة رياض الأطفال. المعلمون والمعلمات، مع الأسرة، جنباً إلى جنب، يمكن لهم عمل الكثير والكثير مع الأطفال، من إحداث وتنمية السلوك الإيجابي لدى الأطفال، مع التأثير عليهم بشكل غير مباشر من خلال عملهم كنموذج إيجابي، فلك أن تتخيل سلوك وردة فعل الأطفال عندما يتعاملون مع معلميهم ومعلماتهم وأمهاتهم وآبائهم ويشاهدون ويستمعون ويختبرون صدقهم وإخلاصهم في العمل وتفانيهم في أداء واجباتهم ومسؤوليتهم، وهذا هو التعليم غير المباشر، التعليم الأكثر فعالية من التعليم المباشر، فالأطفال يتمتعون بذكاء وبديهة وفهم فطري، يمكنهم من التفريق بين النظرية والتطبيق، وبين الصدق والكذب.
وحتى نساعد الأسرة ومسؤولي التعليم على إحداث التغيير الإيجابي، ينبغي سن القوانين التي تساعد على إحداث التغيير الإيجابي في المجتمع، ولعل ما نشاهده من سن بعض الأنظمة الجديدة مثل نظام ساهر وما أحدثه من تغيير إيجابي في سلوكيات القيادة – وإن كان ما زال هناك الكثير مما يمكن عمله في هذا المجال – ونظام مكافحة الفساد الذي يؤمل منه إحداث تغيير إيجابي كبير في المجتمع، وهو تغيير مطلوب والوطن والمواطن بأمس الحاجة له، ليست إلا شواهد وأمثلة على مدى قدرة وفاعلية ودور الأنظمة والتشريعات في إحداث التغيير. وما زلنا بحاجة إلى تغيير وتطوير في الأنظمة والتشريعات الأخرى التي تساعد على نشر وزرع الفضيلة والصدق والإخلاص في العمل والمعاملة الحسنة، بالثواب قبل العقاب.
وختاماً، الإنسان لا يعيش مرتين، وقد لا تتكرر فرص التغيير، وقد لا يتكرر رمضان، والفطين والحكيم من يخطط ويعمل ويحاسب نفسه كل ليلة قبل أن يحاسبه الله، فهلا نكون هذا الرجل؟