جدة: ياسر باعامر

حكاية هي الدلالة الرمزية التي انطلق منها عبد الله مناع، لتوصيف كتابه الجديد الذي يتحدث عن مدينة الثلاثة آلاف سنة جدة من الصفحة الأولى لكتابه الجديد تاريخ ما لم يؤرخ.. جدة الإنسان والمكان.
الجديد الذي طرحه المناع الذي جاء مختلفاً في السياق العام لتوثيق تاريخ مدينة مرت عليها حقب تاريخية مختلفة هو اعتماده على أسلوب الحكايات، لتوثيق التاريخ الشعبي الذي عاشه المناع، مستحضراً تلك الأمكنة في صور معبرة، ترجمها بقوله :إنها تستحق اللثم والعناق وشم عبق رائحتها التاريخي.
تعود قصة كتاب مناع من سبتمبر 2006، حينما طلب منه إعداد حلقات يومية تبث في رمضان ذلك العام مع إذاعة جدة بعنوان (لست أدري كيف ولد)، ليتحول ذلك الإعجاب من قبل المجتمع المحلي إلى تدوينه على شكل كتاب من القطع المتوسط في 281 صفحة، عدد من تغريدات تويتر رأت أن الكتاب يمثل إضافة نوعية مختلفة تجاوز فيه موسوعة ويكبيدبا التي أفردت مساحات واسعة من صفحاتها الداخلية لتدوين تاريخ جدة.
كاريزما شخوص وأماكن الذكريات ترسم الملاح العامة والخاصة لكتاب مناع، عبر صور فوتجرافية لشخصيات زمان ومواقع، منها ما يعود لأوائل القرن العشرين، وإن كان يعاب على بعضها عدم وضوح الصورة وضعفها فنيا.
مناع حضر مستلهماً الحارة من بوابة العبور لشخصيات رسخت نفسها في تاريخ مدينة أم الرخاء والشدة، ومنح سرده الكتاب لوناً مختلفاً لا ينفك ينتقل من تفصيل لتفصيل باعتباره عاشقا لتاريخ العروس في خمسينات وستينات القرن الماضي التي قال عنها إنها حفرت في وجدانه بـ إزميل، والتي كان ينقل فيها مشاهد ما عاشه وعرفه في سنوات حياته بين حارات البحر والشام وما بينهما بصخبها وصمتها وأفراحها وأشجانها بين أحضان جدة القديمة وحاراتها الرئيسة الأربع داخل سورها هي :البحر، اليمن، والمظلوم، والشام.
مفردات قصصية كثيرة من الصعب جملها في خانة واحدة، وإن كان يمكن ذلك في صور مختلفة قاسمها المشترك أبطال لم يودوا تلميع أنفسهم ساهموا في بناء تاريخ مدينة من جانبها الإنساني والتطويري.
قصة العطارين تحمل دلالة في تاريخ المدينة التي يقول عنها مناع : رغم وجود المستشفى والعيادات، إلا أن المجتمع شديد الاستماع إلى العطارين، وكثير منهم يأخذ بكلمتهم ونصائحهم ووصفاتهم، إنني لم أنس الأيام الأولى من كل عام، عندما يجري التحضير في بيتنا لإعداد شربة السنامكي التي كنا نتناولها وشقيقي خوفاً أو كرهاً في المساء، ثم ننام وبطوننا تتلوى من شدة المغص.