المسؤولية الصحية جزء لا يتجزأ من مسؤولية إمارات المناطق، خاصة الطرفية منها، فإمارات المناطق إحدى أهم وسائل ضمان جودة الخدمات الصحية لمواطنيها، ولها القدرة على الرصد والتبليغ والاعتراض على ضعف الخدمات
شهد شهر رمضان لهذا العام عددا من المناشدات الصحية العلاجية، وعددا من تقارير هيئة مكافحة الفساد الخاصة بالقطاع الصحي. انهالت المقالات والأخبار في وسائل الإعلام خلال هذا الشهر من المناطق المختلفة، وكلها تشير إلى أن هنالك خللا في المنظومة الصحية وحلقاتها المختلفة. المسؤولية الصحية كانت الهاجس الأكبر وراء كل المطالبات بالمحاسبة والمراقبة، وإيجاد الضمانات التي تكفل عدم تكرار الأخطاء كالوفيات، انتظارا لأسِرّة على سبيل المثال، ولذلك تم تسليط الضوء على وزارة الصحة، بحكم أنها الحلقة المركزية في هذه المنظومة كمزود رئيس للخدمات الصحية في المملكة، محملا بخيبات أمل متكررة من مناطق مختلفة تشهد عليها مستشفياتهم البعيدة الخاوية بلا تشغيل.
المسؤولية الصحية ركن أساسي لأي إصلاح صحي، وقد تبدو سهلة التطبيق كشعار أن المريض أولا، إلا أنها معقدة على أرض الواقع لوجود لاعبين أساسيين لها، متى ما تم طرد أحدهم، فإن الخلل هو النتاج الطبيعي وضريبته في الصحة سوء خدمات وضياع أرواح.
يضم فريق المسؤولية الصحية، مستهلكي الخدمات الصحية من مرضى وأصحاء، وهو ما قد يعد مفاجأة في ظل التطبيق السلبي الأحادي الحالي للنظام الصحي. يتم الارتقاء بالخدمات الصحية، علاجا ووقاية، عندما تعامل وزارة الصحة المواطنين كعملاء، وتحرص على رصد آرائهم، والعمل على إرضائهم، كمقياس لجودة خدماتها، وأن تعي أن المشاريع المليارية لا تعني شيئا لمواطن ينتظر موعدا لأشعة بعد ستة أشهر، وآخر يجد صعوبة في التواصل مع طبيبه الذي يقبع وحيدا في عيادة لمئات المرضى. تسرب المرضى للقطاع الصحي الخاص هو دليل سوء خدمات ولو أن الوزارة تعامل المواطنين كعملاء شركة خاصة، لتم فصل رئيسها وفريقه التنفيذي بسبب سوء الإدارة، في حين نجد أن وزارة الصحة ترمي بعملائها للقطاع الصحي الخاص، الذي تذمه بنفسها بشكل دوري، وتتبعه بتفضل دفع الفواتيرعوضا عن المواطنين، مما يعكس ثقافة الإدارة الكمية لا النوعية.
تعد هيئة مكافحة الفساد وديوان المراقبة العامة أحد أهم الأعضاء في فريق المسؤولية الصحية، وتتبعهم هيئة التحقيق والادعاء العام. ومع بعض الجهود مؤخرا، إلا أن أحدنا لا يملك إلا أن يلاحظ الانفصال في العمل الرقابي بين المؤسسات نفسها، وبينها وبين الرأي العام، فنشر التقارير إعلاميا بالتلميح دون التصريح، وختمها بأنه تم الرفع بها لهيئة التحقيق والادعاء العام، لا يساهم بالإصلاح الصحي، ولا بالتوعية بالنظام الصحي وآليته، وما يحمله من حقوق وواجبات.
لا بد لهذه المؤسسات من قنوات تواصل دائمة ثنائية الاتجاه، وهو ما لا يمكن التنصل منه مع وجود التقنيات الإلكترونية ومواقع الإنترنت، فما المانع من وجود تحديثات مستمرة لمراحل العمل الرقابي على هيئة تصاريح إعلامية ومشاركة الرأي العام بها؟ هذا التواصل النشط هو الذي سيشجع المواطنين على مساندة هذه المؤسسات في رصد المخالفات، ومساندتهم بالوقوف معهم كرأي عام، ومطالبات في حال تمت عرقلة أعمالهم من قبل التنفيذين، كما حصل في قضية كراسي الغسيل الكلوي، عندما امتنع وكيل الوزارة المساعد عن تزويد مندوبي هيئة مكافحة الفساد بالوثائق.
لا يمكن الحديث عن المسؤولية الصحية دون ذكر العمود الفقري للنظام الصحي الفاعل، وهو التمويل المادي وتمثله وزارة المالية في المملكة، فوزارة الصحة تُقدَّم لها مخصصات هائلة من الميزانية السنوية، وعدم وجود تقارير سنوية إعلامية لمدخلات ومخرجات وزارة الصحة خاصة، والوزارات عامة، يسهم في تعزيز البيئة المناسبة لتأخير الإصلاح الصحي، الذي ينعكس على هيئة مناشدات علاج وأسرة من قبل المواطنين. هذه التقارير المالية الدورية تقودنا للاعب مهم في فريق المسؤولية الصحية، وهو مجلس الشورى، الذي ما زال غائبا عن ملعب الأحداث الصحية، ولا دور ملموس له في نقل متطلبات المواطنين ومعاناتهم مع الخدمات الصحية، ولا حتى عرضها ونقاشها مع الوزير والتنفيذيين بشكل شفاف وواضح.
المسؤولية الصحية هي جزء لا يتجزأ من مسؤولية إمارات المناطق، خاصة الطرفية منها، فإمارات المناطق إحدى أهم وسائل ضمان جودة الخدمات الصحية لمواطنيها، ولها القدرة على الرصد والتبليغ والاعتراض على ضعف الخدمات المقدمة من وزارة الصحة لها. الصحة معيار مجتمعي مهم، ويؤثر على بقية المعايير التي تؤخذ بالاعتبار في تقييم أداء الإمارة، ومن غير العادل أن يتأثر رضا المواطنين عن إماراتهم بسبب خدمات من وزارة مركزية.
تنتهي منظومة المسؤولية الصحية لدينا بالقلب النابض لها، وهو ما تبتدئ به في الدول المتقدمة، الجمعيات والمؤسسات الأهلية. هذه الجمعيات هي المهاجم البارع على دكة احتياط مدرب صحي مبتدىء. مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية والذي تم تناسيه من العام 2007، هو اللبنة لإصلاح النظام الصحي. نحن بحاجة لنقابات الأطباء والممرضين والممارسيين الصحيين وهم الجنود المجهولون، الذين يحاولون التغيير للأفضل، ليصطدموا بعدم وجود منبر لهم، ولا دعم قانوني يساندهم. نحن بحاجة لقانون صحي وجمعيات قانونية صحية تقوم بالتوعية وتمثل من انتهكت حقوقهم الصحية. نحن بحاجة لجمعيات غير خيرية للمرضى وأمهات الأطفال وأهالي مصابي الحوادث وغيرهم، ليوجهوا دفة الأولويات ويرصدوا الخدمات. نحن بحاجة لإقرار نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية في المجال الصحي وتفعيله تنفيذيا وقانونيا، نحن بحاجته ليساعدنا فنساعدكم.