تحتضن مكة المكرمة اليوم قادة ورؤساء الدول الإسلامية في قمة التضامن الإسلامي الاستثنائية، التي دعا إليها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بهدف إعادة تأهيل البيت الإسلامي وترميمه وسد ثغراته المتعددة، خصوصاً في هذه المرحلة الحرجة التى تمر بها الدول الإسلامية والمنطقة أجمعها، إذ تعاني سورية من أنهار دم يومية على خلفية حصد مئات الأرواح من أبنائها على يد نظام الأسد، إضافة إلى مجازر الاضطهاد العرقي الذي يلاحق أقلية الروهينجا من مسلمي بورما، إضافة إلى ملف القدس الذي ظل يشكل حضوراً مستمراً في القمم الاعتيادية والاستثنائية جميعها، دون أن يجد حلا أو حتى موقفا موحدا.
أعتقد بأن تأهيل البيت الإسلامي، وإعادة هيكلة العمل الإسلامي المشترك، ووضع آليات واضحة لمشاريع إسلامية تحقق التضامن والتعاون الإسلامي بالمستوى المطلوب، هو ما ينتظره الشارع الإسلامي من هذه القمة، ذلك أن مجرد مناقشة القضايا الطارئة وإصدار البيانات الختامية التى تدين وتستنكر دون اتخاذ خطوات عملية، أضعف الحضور الإسلامي في القضايا الإقليمية والعالمية، حتى إن دور منظمة المؤتمر الإسلامي أصبح محدوداً بتقديم المساعدات الإنسانية للمسلمين هنا وهناك.
لقد ظلت السعودية على الدوام تحرص على إعادة الدور الإسلامي المفقود للمساهمة في بناء الأمة الإسلامية، وإعادة اللحمة إلى الخطاب الإسلامي سياسياً ودينياً، وإبراز الدور المشرق للعالم الإسلامي، ففي سبتمبر 2005م، دعت السعودية إلى قمة إسلامية استثنائية عقدت أيضاً في مكة المكرمة، ركزت على تفعيل العمل الإسلامي المشترك، ونبذ العنف والتطرف الذي أساء إلى الإسلام، وصححت الكثير من المفاهيم المغلوطة التى لحقت بالإسلام في ذلك الوقت عقب أحداث سبتمبر 2001م، إذ عملت القمة على سن تشريعات تنبذ العنف والتطرف بشكل واضح وصريح.
مهمّة قمة مكة المكرمة الاستثنائية يجب أن ترتكز على ترسيخ المفهوم الوارد في الهدي النبوي، وأن الدول الإسلامية كـالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر، وترتيب البيت لمواجهة التحديات والمشكلات التي تواجه الأمة الإسلامية، ونبذ الانقسام والتشرذم، خصوصاً أن هنالك تغيرات كبيرة حدثت وتحدث في المنطقة، تساعد على إعادة تشكيل العمل الإسلامي وأهدافه.
كما هي قمة استثنائية نتمنى أن تكون نتائجها وقراراتها أيضاً استثنائية تقدم إجابات واضحة لتساؤلات الشارع الإسلامي، عن غياب العمل الإسلامي المشترك، على الرغم من كثرة عدد الدول الإسلامية التى تجاوزت الـ57 دولة، تتبنى مشاريع طموحة وأفكارا عملية خلاقة، تعيد للعمل الإسلامي دوره المفقود. ولا أعتقد أن هنالك كياناً أكثر استعداداً من منظمة تجمع المسلمين على توحيد كلمتهم، وإعلان التعاون والتضامن الإسلامي، وجعله فاعلاً ومؤثراً إقليمياً وعالمياً، وهو ما تحتاجه المنطقة لتحقيق الاستقرار وتوازن القوى.