جدة: يُمن لقمان

اللاعبون باتوا أصحاب النفوذ في الأندية.. و'الأخضر' أصبح حكراً على مجموعة معينة منهم

لا تزال تداعيات خروج منتخب المملكة من التصفيات النهائية لكأس العالم 2014 في البرازيل، تتفاعل في الأوساط الرياضية خصوصاً أن الجمهور أصيب بخيبة أمل شديدة، كما طرحت علامات استفهام كبيرة على لاعبي الأخضر من خلال المستوى الذي ظهروا به أمام أستراليا يوم الأربعاء الأسود في ملبورن. وهذا ما أكدّه الرئيس العام لرعاية الشباب الأمير نواف بن فيصل أمام مجلس الشورى قبل يومين، بحديثه عن عدم جدية اللاعب السعودي خلال لعبه مع المنتخب.
لمَ هذا الإخفاق؟ سؤال طرحته الوطن على عدد من الخبراء وجاءت الأجوبة متباينة بدءاً بسوء التخطيط وإهمال القاعدة وندرة المواهب وانتهاءً بالمال الذي أغدقته العقود الاحترافية للأندية، وغرق في حبه اللاعبون، وهم لا يزالون في العشرينات من العمر، غير قادرين على استيعاب ملايين الريالات التي انهالت عليهم.
ارتفاع الأرصدة البنكية لهؤلاء الشباب، أشغلهم ببناء الفلل، وامتلاك السيارات الفارهة، والتفكير في موعد تجديد العقود مرة أخرى، فضاع حب الكرة، وتغير الانتماء للنادي، وغاب الولاء للمنتخب، ولم يعد مبلغ طموحهم التأهل إلى المونديالات، وافتقدوا روح القتال في المباريات.
الخبراء الرياضيون واللاعبون السابقون، يكادون يجمعون على أن رؤساء الأندية ومسؤولي اتحاد الكرة شركاء في ما آل إليه وضع الرياضة السعودية وهبوط مستوى نجومها، وأن الوقت حان للعمل مجدداً على الفئات السنية وتطوير البنية التحتية وغرس المفاهيم الصحيحة في أذهان الشباب.
التمثيل شرف
يرجع الدولي السابق يوسف خميس هبوط مستوى الكرة السعودية إلى المال الذي اندفع نحوه اللاعبون ولم يعد للانتماء دور في نفوسهم أو حب اللعبة أو الإخلاص لشعار الوطن.
ويقول: اللاعب في المنتخب يجب أن يقدم إنجازات لبلاده، لكن المادة طغت على تفكيره، مما أدى إلى هبوط مستواه في السنوات الأخيرة. ولن تعود الكرة السعودية إلى سابق مجدها، حتى يشعر اللاعب بأنه يتشرف بتمثيل فريق بلاده. ولا بد من غرس هذه القيمة فيه منذ الصغر حتى ينشأ بالصورة المطلوبة. فاللاعبون اليوم أصبحوا هم أصحاب النفوذ في الأندية ومن يسير رؤساءها ومديري الكرة فيها، فيما أنه لا بد أن يقاس عطاؤهم من خلال مستوياتهم التي يقدمونها للمنتخب. ومن المؤسف أن الإعلام لعب دوراً في دعم هؤلاء اللاعبين بالوقوف معهم ضد إدارات الأندية. ويضيف كما أن سوء التخطيط للمستقبل، وعدم الاهتمام بالفئات السنية يعد من الأسباب المهمة وراء تراجع المستوى، فأصبح المنتخب حكراً على مجموعة معينة من اللاعبين غير المناسبين.
تقنين العقود
ويعتبر الدولي السابق فؤاد أنور أن المقارنة بين الجيلين محرجة لأن كل جيل له معطيات تختلف عن الآخر ويعيش في مناخ آخر ويتعرض لظروف أخرى، لكنه يرى أن حب الكرة والانتماء للشعار والطموح للوصول إلى المنتخب عوامل تؤدي دوراً عظيماً في الإخفاق. ويقول الجيل الحالي تغير في جميع المجالات، كل شيء أمامه سهل، حتى الحصول على المعلومة، بيد أنه لم يستثمر هذه الميزة لصالحه.
وأكد أنور أن عقود اللاعبين لم تكن مقننة كما هو معمول بها في أندية العالم المتطورة احترافياً حتى إن نادي الشباب لم يقم بتوزيعها على الرواتب الشهرية إلا هذا الموسم، من الصعب أن تمنح لاعباً 5 ملايين ريال فجأة ورصيده المالي لم يتجاوز 5 آلاف ريال، خصوصاً أنه في سن صغيرة، ذلك يفسد حتى الكبير في العمر، فالمال غير المقنن له تأثير سلبي على الشخص، والأندية شريكة في هذه الإخفاقات التي تعرضت لها الكرة السعودية، إضافة إلى المسؤولين عنها، لأنه لو فرضت ضوابط لما حدث ما حدث.
ويتابع إخفاقات المنتخب هي إخفاقات الأندية أيضاً، فمنذ أن انطلق الدوري الآسيوي بنظامه الجديد، لم يحصل فريق سعودي على الكأس، لأن المنظومة في الأندية واتحاد الكرة عبارة عن حلقات متسلسلة.
وانتقل أنور إلى الحديث عن الجيل السابق، فقال كان اللاعب يريد أن يضع بصمة في النادي والمنتخب، أما الآن فلا تهمه البصمة لأنه يرتدي شعار النادي والمنتخب بمنتهى السهولة، ويتركه بالسهولة نفسها أيضاً بسبب المال. كان الجيل السابق يحترم رئيس النادي والإداريين والمسؤولين، أما الحالي فيتطاول عليهم لأنه يشعر بأنه كوّن نفسه وأمّن مستقبله، وليس لديه أي مشكلة في الرحيل عن الفريق، فأصبحت الإدارة تحت رحمته. ويتابع: في أوروبا يحصل اللاعب على المال الكثير، ولكنه تأسس بشكل صحيح، فيحرص على وضع بصمة، وهو الذي يملك المال وليس المال من يملكه، بينما لاعبونا لم يؤسسوا بفكر احترافي سليم، وغاب عنهم أمر البصمة.
عادات سلوكية
ومع أن الدولي السابق عبدالرحمن الرومي يعتقد أن اختفاء الجيل الذهبي وارد في جميع المنتخبات العالمية، كما سبق أن حدث في المنتخب الفرنسي الذي ابتعد عن منافسة أعتى المنتخبات، ومع المنتخبين الألماني والبرازيلي من قبل أيضاً، إلا أنه يؤكد أن ندرة المواهب عانى منها المنتخب السعودي. ويقول: من الصعب أن يتكرر جيل ماجد عبدالله وسعيد العويران وسامي الجابر بسهولة.. ومع احترامي لكل اللاعبين، لا يوجد لدينا مدافع بنصف كفاءة محمد الخليوي أو صانع ألعاب بفنيات خالد مسعد أو محور بقوة فؤاد أنور، ولكن تبقى الكرة السعودية ولادة للمواهب، إنما الأمر يتطلب العمل وكثيرا من الصبر، حيث ظهر أخيراً لاعب الهلال والمنتخب سالم الدوسري الذي يبعث على التفاؤل، وفي الأهلي لاعبون جيدون مثل فتيل والفهمي، وفي الاتحاد هتان باهبري. وهذا لا يبرر أن الاهتمام بالفئات السنية أهمل كثيراً، وتنبه إليه القائمون على الرياضة قبل فترة زمنية قصيرة فقط.
وتطرق الرومي إلى سوء العادات السلوكية التي يمارسها بعض اللاعبين الحاليين كالسفر والسهر والتدخين، مبيناً أنها عادات أثرت سلباً على بعض اللاعبين السعوديين الذين يجب أن يبتعدوا عنها ليحافظوا على مستواهم الفني ولياقتهم البدنية العالية، فهي مدمرة للصحة وتخفض المستوى.
ويعيب الرومي سوء التخطيط كنا متفوقين خليجياً وعربياً وآسيوياً. واليوم نجد منتخبات كانت أقل مستوى ونهزمها بسهولة، تفوقت علينا بأهداف كثيرة، لقد خسرنا أمام سورية بهدف والأردن بهدفين واليابان بخمسة أهداف، تراجعنا عقب أن كانت الغلبة لنا، وبات المنتخب السعودي رابعاً أو خامساً على مستوى الخليج، ولم يتطور، بينما تطورت منتخبات أقل إمكانية، كعمان وقطر ولبنان وسورية والأردن والعراق. خرجنا أمامها في استحقاقات قارية بهزائم عدة وأقل عدد من النقاط والأهداف كما حدث في نهائيات كأس آسيا الأخيرة التي أقيمت في الدوحة وفي تصفيات كأس العالم بجنوب أفريقيا وفي المرحلة التمهيدية لمونديال 2014 بالبرازيل. لقد انحدر مؤشر الكرة السعودية إلى أدنى مستوياته.
عقلية لا تستوعب
يعتبر اللاعب السابق الحسن اليامي، أن المادة سبب الإخفاقات التي تعرض لها المنتخب السعودي في السنوات الأخيرة، لأنها سيطرت على فكر اللاعب السعودي الذي انشغل بتوقيع عقد وتجديده ويهبط مستواه بعد أن يجدد. ويقول عقلية اللاعب السعودي لم تصل إلى مرحلة أن تكون لديه 5 أو 6 ملايين ويستمر في العطاء إلى الأفضل، فمع هذا الرقم المالي يتوقف طموحه، ولا يستوعب أنه يمكن أن يقدم مزيدا ويحصل على أكثر، ويشعر أنه اكتفى بما جمع، خاصة أنه يعلم أن الموظف لا يستطيع أن يكون هذه الثروة حتى بعد 20 سنة. ويضيف كان الولاء كبيراً للشعار وكان الطموح عالياً لتمثيل المنتخب، أما الآن فالمهم هو مقدم العقد والمكافآت المالية.
فارق بين جيلين
من جهته، يؤكد المدرب الوطني حمود السلوة أن الفارق بين جيل وآخر تحكمه حركة التغيير والتطوير والفكر والعقلية الاحترافية وحجم الطموح والظروف بعد أن تحولت كرة القدم من مرحلة الهواية إلى الاحتراف. ويضيف: الاحتراف أفقد لاعبي المرحلة الحالية الجدية والحماس والروح القتالية داخل الملعب للدرجة التي يلحظ فيها أي متابع تبايناً في عطاء وروح اللاعب، فيما بين النادي والمنتخب وبصورة مختلفة تماماً عما كان يقدمه جيل المنتخبات السعودية في الثمانينات والتسعينات الميلادية، وهذا هو الفارق بين الجيلين.
ندرة المواهب
ويركز الخبير الاقتصادي راشد الفوزان على العقلية الاحترافية في معرض حديثه عن المنتخب السعودي، والثقافة التي يفتقدها اللاعب السعودي وعدم نضوجه. فيقول العقلية الاحترافية مفقودة، فرغم أنه لا يستلم المبالغ الطائلة التي يحصل عليها نظيره الأوروبي، إلا أن ما يجده في ناديه جعل طموحه يتوقف عند بناء سكن، ولم يعد يملك ما يراهن عليه، خاصة أنه لا ينحدر من بيئة ثرية، والمفترض أن تكون طموحاته أكبر بكثير من مقدم عقد عال أو راتب مرتفع.
ويضيف: كما أن الوسط الرياضي في المملكة تندر فيه المواهب والفرصة غير متاحة لبروز مواهب أخرى غير القلة المتوافرة، وذلك لعدم وجود بنية تحتية وبيئة صالحة لتبني صغار السن وصقل مواهبهم. ولا تستقطب الأندية السعودية في المدن الرئيسية عدداً كبيراً من اللاعبين. وفي المدن الصغيرة، لا تنتشر الملاعب، فلا تظهر المواهب التي تصنع الفارق. كانت الدول الأخرى كاليابان وتايلاند وعمان تتطور، بينما نحن نسير أفقياً، فإما أنهم تجاوزونا وإما هذا هو مستوانا أساساً. تغير الآخرون ولم نتغير والدليل أن اليابانيين محترفون اليوم في أوروبا، فهم يتبنون الصغار ويرعونهم مبكراً، أما دول الخليج ففي نظامها تشابه كبير، حيث لم تعد الكويت لسابق عهدها، وأتوقع أن قطر وعمان وربما الإمارات يمكن أن تحقق تقدماً لوجود الدعم المالي إلا أنهم يصطدمون بقلة الكثافة السكانية ولهذا عمدوا إلى التجنيس.
ويتابع كان الجيل القديم من اللاعبين يتميز بحب الكرة والانتماء والولاء ويلعب بروح عالية ويعدها هواية يمارسها حتى وهو موظف. هذا انتهى الآن لأن المادة صارت هي المقياس الحقيقي. كان اللاعب يعيش الكرة والآن أصبح يشغله توقيع العقد أو تجديده. لقد تغيرت هموم اللاعبين وطغت عليها المادة فقضت على المحفز. حتى إن اللاعب السعودي لا يرغب في الاحتراف في الخارج ويريد أن يبقى بين أهله وأصحابه.
ويستطرد الاهتمام بالرياضة موجود لدينا في وسائل الإعلام وليس على أرض الواقع. هنا انتهى مشوار لاعبين كثيرين قبل أوانه أمثال فهد الغشيان وعبيد الدوسري وعبدالله الجمعان، لأنهم لم يجدوا الاهتمام أو الرعاية المطلوبة، فالأندية يسيطر عليها رجال أعمال يدفعون الملايين، وبالتالي يتدخلون في شؤون المدربين، فيما يجب أن تكون القرارات عائدة للمدربين أو تبقى استشارية. لذا التخصص مطلوب في الرياضة ولن تنجح إلا به. فكيف يختار رئيس ناد أو مدير كرة اللاعبين الأجانب قبل أن يصل المدرب الذي عندما يأتي لا يقتنع بهم ويهدر الملايين. الرياضة هنا وجاهة اجتماعية وحضور إعلامي وشهرة واسعة. ولكي تتطور لا بد من التخصيص للقيام بعمل مؤسساتي يشتمل على المتابعة والتدقيق، وليس للتسلية، فهي في الخارج تمثل منتجاً نهائياً.
اختلاف الطريقة
يتساءل الاستشاري النفسي الدكتور صلاح السقا إن كان فعلاً الجيل السابق أفضل أداء من الحالي؟ ويقول الواقع أنه ليس هناك دليل قاطع على الأداء، لكن النتائج الماضية التي تحققت لا شك في أنها أفضل من الحاضرة، ومقارنة بالآخرين كنا أحسن حالاً، لأنه اختلف الجيل الحالي في تعاطيه مع الرياضة باختلاف المعطيات، ففي كرة القدم كان اللاعب يعتمد على المهارات الفردية، إنما اللعبة باتت تعتمد اليوم على اللعب الجماعي. في الماضي كان الأفراد المميزون يصنعون الفارق، ويحققون البطولات، والآن صارت الجماعية مطلباً، ولم يعد يستطيع الفرد أن يرجح كفة فريقه وحده. لذا تبدو المقارنة بين الجيلين غير عادلة.
ويرى السقا أن هذا الجيل ظلم بعدم تغيير طريقة التدريب والإدارة فحدثت الإخفاقات، طريقة التدريب والإدارة هذه نفسها كانت مقبولة قبل زمن طويل، إنما هي الآن لا تقبل. لقد اختلفت، بينما بقينا كما نحن، لا نزال ندير الرياضة بفكر قديم وندعي أن الأداء اختلف، وفي الواقع الذي اختلف هو الإعداد.
ومن جانب نفسي، يؤكد السقا أن الجمهور السعودي تأثر كثيراً من خروج المنتخب السعودي من التصفيات التمهيدية لكأس العالم 2014 بالبرازيل، والهزيمة الثقيلة أمام أستراليا، بيد أن اللاعبين ربما يعيشون في أجواء نفسية أفضل لأنهم يفكرون بأن الكرة فوز وخسارة، وبإمكانهم أن يخرجوا هذه الضغوطات النفسية الشديدة في التدريبات، ويعولون على مباريات أنديتهم لتعويض الحزن والخسارة وإرضاء جماهيرهم لاحقاً. ويرى أن هذا جزء لا بد أن يتوافر في شخصية اللاعب، بحيث يتعامل بمرونة مع المتغيرات لكي يتمكن من الاستمرار في العطاء والبقاء في الوسط الرياضي، غير أنه لا يعني أن اللاعب لا يجب أن يتأثر من جراء عدم وصوله لمونديال كأس العالم، الحلم الكبير والمحك الحقيقي في تاريخه الرياضي.