بدأ المشهد العام عربياً يتضح عن ذي قبل بشكل سريع وغريب ومريب في نفس الوقت. المستفيدون كثر والمتضررون هم أكثر تضرراً من غيرهم. فما بين التيارات الدينية المتشددة والتيارات الليبرالية ونظيراتها من التيارات السياسية المختلفة الأخرى، تظهر هناك أصوات اصطدامات فكرية وسياسية عنيفة، حول كل ما يطرح من قبل الأطراف المتبنية لتلك التيارات المختلفة. وقد كانت في السنوات الماضية تدار من تحت الطاولة أو بمعنى أدق أنها كانت تتحرك بشكل غير مباشر. أما الآن ومع ظهور وسائل الاتصالات العديدة، والتي مثلتها المواقع الاجتماعية تحديداً أصبح الأمر أكثر وضوحا. ولم يعد تقريباً ما يمكن تبادله من تحت الطاولة القديمة. إذ نشاهد تسارع الإسلاميين المحموم للظهور على المشهد السياسي المصري بشكل خاص، والعربي أيضاً كمثال يُحتذى. وهو ما تعكسه حالياً الساحات السياسية في كل من تونس ومصر وليبيا بعد الثورات التي قامت في شوارعها. وهو ما زاد حضورهم زخما حتى الآن.
ففي تونس مثلا رأينا اكتساح التيار الإسلامي ممثلا في حزب النهضة الذي يتزعمة (راشد الغنوشي) للانتخابات البرلمانية. وسيطرته على روح المجتمع تقريباً. وفي نفس الوقت قفز الإسلاميون إلى واجهة المشهد السياسي المصري حين شكلوا غالبية أعضاء مجلس الشعب المصري. وقرروا بشكل ما تقديم أنفسهم كنموذج يحاكي النموذج التركي السياسي. لكن نجاحهم في تحقيق ذلك لم تظهر بوادره حتى الآن. فما يقوم به بعض أصوات هذا التيار لا يُعبر عن مستقبل زاهر ربما. لكنه قد يحقق غايات تصب في صالحه إذا ما أحسن التعامل مع الواقع الحالي للشارع المصري الذي يأمل في طي صفحة تاريخية يرى أنها كانت من أسوأ صفحاته السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
وفي ليبيا لم يكن المشهد السياسي مختلفا بشكل كبير، ويبدو مخملياً للبعض أحياناً. لكنه ليس بدرجة الوضوح التي عليها وضع الحال في كل من تونس ومصر. ومع تباين ظهور أصوات التيارات الليبرالية في هذه الدول في الوقت الحالي، فإنه من المتوقع أن لا تستمر حالة الانتصارات الصغيرة التي تحققها بقية التيارات المختلفة. فالليبراليون لن يصمتوا كثيراً وسيكون لهم حضورهم الأكيد في تلك المجتمعات المذكورة. وهم لا يدخرون جهداً من أجل تحقيق تقدمهم. فدعونا نراقب التغيرات المختلفة التي تحدث نتيجة الصراعات الحزبية، والتي ستظهر لاحقاً بدون أدنى شك. لكن السؤال هو لمن ستكون الغلبة في سباق الأحزاب والتيارات السياسية والفكرية المختلفة في تلك الدول؟ أعتقد حين تقرر المجتمعات العربية ذلك سنتعرف على أحصنة السياسة العربية الجديدة.