ينتابنا أحيانا شعور بالإحباط من فاعلية المشهد الثقافي، ومدى قدرته على رفد بنيتنا الاجتماعية والتنموية، يتولد من صدى أفعال وسلوكات ومشاهد ترتسم على صفحته، فلا تكاد تلتقي خطوطها أو تكتمل ألوانها لنحظى باللوحة المتخيلة في ذهن كل منا، والتي نعول عليها كثيرا في تشكيل معمار فكري وثقافي وإبداعي نبرزه بفخر ومحبة وانتماء.
ومن تلك المشاهد المؤرقة والمعيقة للخُطى الواسعة في مضمار الحراك الثقافي المنتج، ما نراه من صراعات وتجاذبات في بعض مؤسساتنا الأدبية والثقافية على وجه العموم، بل تعدى الأمر إلى خصومات وإسقاطات مشينة، ليست من مناقب شداة الأدب والفكر في شيء، فمن مثقف نابز لدور ذلكم المسؤول، أو أديب مستصغر جهد تلك المؤسسة الثقافية، إلى مصادر لما تقدمه من أنشطة وفعاليات، دون أدنى شعور بأنه أيضا مشارك، وعلى عاتقه واجبات وأدوار تخلى عنها، وارتضى أن يكون في الظل قادحا وساخطا ومقللا من كل نتاج، دون معايير موضوعية يحتكم إليها فما هي إلا نفثات بغض، أو حظوظ نفس لم تتحقق.
نحن بالطبع لا يمكن أن نطالب المثقف أن يكون بوقا للمؤسسة أو مروجا لكل ما يصدر عنها، ولكننا لا نرتضي أن يبقى متشبثا بالطرف الأيسر من الصورة، فلا يعدو دوره تسطيح الوعي، وتهميش المنجز، واتهام الناس جزافا ودون دليل أو معرفة بما يعترك داخل المشهد لأنه فقط منزو ومعرض وبعيد باختياره عن دوره الحق في العمل بروح الفريق ذي الهدف الواضح المعلن.
الثقافة هي تحويل التعبير إلى ممارسة باتجاه تغيير الواقع، والمثقف يجب أن يعبر عن هموم مجتمعه. التعبير في حد ذاته ليس شيئا كبيرا إذا لم يرافقه رغبة في تحويل هذا التعبير إلى ممارسة باتجاه تغيير الواقع. إذا أراد المثقف أن يختصر دوره على تفسير الواقع، فهذا ليس شرفا كبيرا له، ولكن إذا انتقل دوره من التفسير إلى التغيير أصبح مثقفا وبطلا حقيقيا، فلا يبقى في إطار عدم الفعل والتأثير لأنه عندئذ يصعب أن يقال عن كل حامل شهادة إنه مثقف.
ومع ذلك كله، فلا ينبغي أن يسيطر علينا ولا على مشهدنا أي شعور محبط، فما نزال نعمل وفي بني عمنا رماح يمكن أن تبزّ وتتميز، إذا صدقنا النوايا واجتمعت الأكف على صدق الإنجاز.