سار عبدالله (60 سنة) وزوجته وابنه ثلاثة أيام عبر التلال من مدينة اللاذقية الساحلية السورية وصولا إلى تركيا ولم يتوقفوا إلا للاختباء من دوريات قوات الجيش أو لتناول الشطائر التي أعدتها الزوجة لرحلة الهروب. وحين وصلوا لمقصدهم أخيرا عند فجوة في سور من الأسلاك الشائكة الذي يمثل الحدود بين تركيا وسورية كان الأب ذو اللحية التي خطها الشيب جائعا وفزعا وخائر القوى. ومن مأواه الجديد داخل مخيم للاجئين في تركيا على الجانب الآخر من الحدود يحكي عبدالله بجزع تفاصيل الرحلة المروعة التي استغرقت ثلاثة أيام بغية الالتجاء إلى ملاذ آمن، ويروي الفظائع التي دفعته للهروب وهي حكاية مألوفة يرويها آلاف السوريين الذي يفرون إلى تركيا. وقال عبدالله بصوت مرتعد جاءت مجموعات من الشرطة السرية لمنازلنا واقتادوا النساء لمراكز الشرطة. يمزقون ملابسهن ويتحرشون بهن. البعض اغتصبن. وتابع يأخذون النساء لأنهم يريدون إجبار الرجال على الخروج من مخابئهم. يأتون بأسلاك كهربائية ويكهربون أقدامهم وآذانهم والأعضاء التناسلية. الرجال والنساء على السواء. هل من مكان آخر في العالم تفعل فيه الحكومة ذلك بشعبها؟.
وعبدالله وهو أب لثمانية وأسرته ضمن أعداد اللاجئين التي تتسارع وتيرة توافدها على تركيا ليل نهار من خلال نقاط عبور غير رسمية سواء من خلال الأسلاك الشائكة أوعبر نهر العاصي الذي يمثل قطاعا من الحدود. وعبدالله وأسرته من أصل تركي ويتحدث العربية وقليلا من التركية. ويقول إن قوات الأمن التي تنتمي للطائفة العلوية تستهدف المناطق السنية في اللاذقية في حملتها ضد المحتجين. وأضاف أغلقوا جميع الطرق وقسموا المدينة لقطاعات متعددة لمنع الناس من الانتقال من منطقة لأخرى.
ويمسك عبدالله بمنفضة سجائر على الأرض ويرسم حولها دائرة بإصبعه قائلا تطوق الدبابات القرى السنية وتقصفها ثم يدخل الجنود القرية ويضايقون السكان ويضربون الرجال ويتحرشون بالنساء. يأخذون معهم أي ذكر تجاوز عمره 12 عاما. ويروي عبدالله قصته فيما يتعالى صوته شيئا فشيئا ليصل لحد الصراخ ويحاول صديقه تهدئته مقدما له سيجارة ينفث دخانها ليملأ الخيمة. وتنتظر زوجته (46 عاما) خارج الخيمة رافضة أن يراها أحد أو أن تتحدث إلى أي شخص. وترك عبدالله وزوجته سبعة من أبنائهم في سورية ويخشى على سلامتهم. وقال لا أستطيع أن أصلي.. إنهم يقتادوننا إلى مراكز الشرطة ويسألون 'من هو ربك؟' فأقول 'الله ربي' فيضعون صورة للأسد على الأرض ويقولون 'لا هذا هو ربك اسجد له وتابع هل يفعلون ذلك في بلدك. يقتلوننا جميعا لماذا؟ لماذا؟.