إنّ تميز الإنسان ليس في حياته الاجتماعيّة، إنما في الطريق الذي يسلكه، وإن ما يجري اليوم يكشف لنا حقيقةً عميقة عن الطريق الذي تسلكه البشرية وكل متمسك بإيمانه وبطريقه وكل أصبح على مقربة من الساعة الخامسة والعشرين. الإنسان اليوم أشبه ببطل رواية الساعة الخامسة والعشرون للروائي كونستانتان جيورجيو ذلك الذي تحول إلى إنسان يبحث عن نور في نهاية النفق ينتقل من سجن إلى سجن آخر أكثر وحشية حين يجد نفسه محني الظهر أمام الآلة، لا يتوفر على فسحة من التفكير والتأمل، وهنا يداهمه الإحساس بأنه دخل في الساعة الخامسة والعشرين تلك الساعة التي تفجرت فيها الحضارة المدنية والثورة التكنولوجية وحولت البشر إلى مجرد أرقام وآلات وأوراق وأختام.
الرواية تمثل أنموذجا حقيقيا للإنسان المعاصر الذي يحيا بين فكي الآلة وتسارع الوقت والأحداث وهو مثقل بالانهزام والانغلاق والانكفاء على الذات لا يملك إلا أن يتسكع على هامش الأحداث منهمكا في الدوران حول نفسه. في رواية كونستانتان جيورجيو صور ملايين من الناس وهم يقتلون بوحشية في الحروب التي كانوا وقودا لها ولا يعلمون كيف ولماذا ومن أشعلها، وهي أحد أهم الروايات التي تُدين الحرب إذ صورت الحروب والحزن الإنساني القاتل معبرا فيها عن حال العالم الذي أشرف على دخول ساعته الخامسة والعشرين إنها الساعة التي سيتحول فيها البشر إلى أقلية عاملة لا تفكر ولا وظيفة لها غير إدارة جحافل الآلات وصيانتها وتنظيفها. هذه الرواية تحولت إلى فيلم سينمائي عام 1967 قام فيه أنتوني كوين بدور جوهان بطل الرواية. وكم من جوهان في عالمنا هذا، وكم من يوشك أن تدق ساعته الخامسة والعشرون.
إنسان الساعة الخامسة والعشرين المعاصر اليوم، يبحث عن زمن لا يُسرق منه الحُب والإيقاع والحياة، متعب من الأقنعة التنكرية والأصوات التي لا تطرب سمعاً وتدوزن باتجاه القبح ليس إلا. يرغب أن يضبط إيقاع الزمن فلا يجد سبيلا له حيث ضجيج حفلة الحياة التي تدور وتدور بلا توقف.
إن وقع خطى الحياة اليومية العصرية يتسارع باتجاه الساعة الخامسة والعشرين يوشك أن يبدأ دقائقه الأولى حيث يختلط الماضي والحاضر وتختلط الأوراق والأقدار والطرق تحت لواء إما أن أكون أو لا أكون وهو شعار كل المتقاتلين الاستحواذيين والظالمين والفاسدين مثلهم مثل المقهورين، والمضطهدين، والمستضعفين. فكل طرقهم أصبحت تؤدي إلى زنزانة الروح على غفلة من أرواحهم. الإنسان بات يسير مسرعاً باتجاه الحافة بعد أن أصبح صوت الحرب والرصاص هو إيقاع الزمن والحب وصوت السلام خافتاً حتى ليكاد يكون همساً.