بندر بن عبدالله بن محمد

استدعاني وقال لي: أرهقتني الحياة وما فيها من مسؤوليات، أريدك أن تأتيني بحلٍ يزيح عن كاهلي جزءاً من حملها. تفصد جبيني عرقا من عدم فهمي لما سمعت. لاحظ ارتباكي وابتسم، ثم قال لي: لا أظنك فهمت كل ما قلته لك. قلت باحترام وحب: صدقت يا سيدي. قال: اسمعني جيداً، كلنا نعرف أهمية الشورى في بناء الدولة المعاصرة، كما أثبت ذلك الإسلام، ولكن خوفي ينبع من عناصر الشورى، هناك القبلية والفئوية والعصبية وكثير من ذلك، فكيف أبني مجلساً للشورى خالياً مما ذكرت، لأتمكن من تفعيل آلية الانتخاب لهذا المجلس؟ لديك أسبوع واحد لتقدم لي آلية للانتخاب بالشروط التي ذكرت.
انحنيت للسلام عليه، وهممت بطلب السماح منه أن يعفيني من هذه المهمة لعدم قدرتي على ذلك. لكن كلمته الرقيقة الله يوفقك في مهمتك أجبرتني على كتم ما نويت قوله، واستبدلته بجملة أطال الله في عمركم وأكرمكم سيدي.
ذهبت لبيتي وأنا أفكر فيما عسى أن أفعله، وقبل أن أجلس على مكتبي سمعت نداء الهاتف، رفعت السماعة إلى أذني وإذ بصوت في الطرف الآخر يقول: لقد عُمدت وجميع من تحت إدارتي من قبل سيدي أن نقدم لك أي مساعدة في مهمتك.
قلت للمتصل: الصباح رباح.
كان ذلك في منتصف النهار، جلست على مكتبي وأنا أردد الشورى، القبلية، الفئوية، الانتخاب، يا لها من طلاسم رسختها أفكارنا الاجتماعية. أخذت قلماً وورقة وبدأت في محاولة فك رموز هذه الطلاسم، بدأت الطلاسم تفك شفرتها قبيل صلاة العصر، كنت معتاداً على أخذ قيلولة لمدة ساعة بعد الصلاة ولكن عملية فك الشفرات أخذت مكان القيلولة. نظرت إلى الورقة التي أمامي فوجدت أنه لابد من إيجاد بديل لكل ما يُلغى، لا تكتمل مسألة بفراغ، فبديل القبلية هو المدنية، وبديل الفئوية هو الحرفية.. هذا هو مفتاح مهمتي. بدأت أفكر في الآلية المناسبة لتفعيل ما ذكرت، أخذ ذلك وقتاً طويلاً، لم أتمكن من إيجاد الآلية. حل وقت المغرب، وذهب معه العشاء، سمعت طرق الباب على مكتبي، رفعت رأسي وإذا بالخادم يقول لي العشاء جاهز، شكرته على ذلك واستمررت في البحث عن هذه الآلية، مضى من وقتي زمن طويل وأيقنت أنني لن أتمكن من إيجاد الآلية المناسبة في هذا الوقت من الليل وقد برد الطعام، وتجاوزت الساعة الواحدة صباحاً. ذهبت إلى غرفة نومي، وقلت لنفسي كما قلت للمتصل قبل ذلك الصباح رباح.. أغمضت عيني ومضى الوقت مسرعاً وعندما فتحت عيني كانت الساعة العاشرة صباحاً وقد فاتتني صلاة الفجر.. نهضت وصليت الفجر، وذهبت إلى مكتبي لأجد ورقتي أمامي وكأنها تقول لي أين أنت؟. رأيت الطلاسم تتكشف أمامي كما تتكشف سحب الصيف، كيف لم أفكر بذلك البارحة؟ الأمر واضح كوضوح الشمس، بدأت بكتابة آليات الانتخاب لمجلس الشورى وإحلال المدنية بدلاً من القبلية، والحرفية بدلا من الفئوية. وبدأت:
باسم الله الرحمن الرحيم.
يصدر مرسوم بالآتي:
أولاً: تشكل نقابات أو مؤسسات - الاسم ليس بمشكلة - لكل فئات المجتمع مثل نقابة الأطباء والصيادلة، نقابة المهندسين، نقابة الإعلام والصحافة، نقابة المزارعين، نقابة التجارة، نقابة الصناعة، نقابة الفقهاء بالدين، نقابة العمال، نقابة العامة... إلخ.
ثانياً: توضع نسبة مئوية لعدد أفراد المجتمع ذكوراً وإناثاً ممن ينتمون لكل نقابة متناسبة مع أعداد شرائح المجتمع.
ثالثاً: على كل فرد من المجتمع بلغ العشرين سنة، أن يسجل بالنقابة التي تمثله، على أن يبرز مؤهلاته التي تثبت ذلك.
رابعاً: بعد اكتمال التسجيل للنقابات، تبدأ الانتخابات لكل نقابة على حدة، وبعد مرور سنة على اكتمالها ترفع بأسماء من سيمثلهم في مجلس الشورى، بالنسبة المئوية المذكورة في المادة الثانية.
خامساً: لا يحق لأحد أن ينتخب ما لم يكن مسجلاً في إحدى النقابات.
سادساً: ينتخب ثلث مجلس الشورى في السنة الأولى من قِبل النقابات بالنسبة المئوية المعطاة للنقابة، والثلثان المتبقيان يتم تعيينهم من قبل ولي الأمر.
سابعاً: ينتخب نصف مجلس الشورى من النقابات بعد مضي سنتين من الانتخاب الأول.
ثامناً: ينتخب ثلثا مجلس الشورى من النقابات بعد مضي سنتين من الانتخاب الثاني.
تاسعاً: يبقى الثلث الأخير ليتم تعيينهم من قبل ولي الأمر.
عاشراً: تعطى صلاحيات سن القوانين والمحاسبة والمتابعة لمجلس الشورى بعد الانتخاب الثاني المذكور في المادة السابعة.
أحد عشر: يعتبر هذا المرسوم جزءا لا يتجزأ من نظام الحكم.
اثنا عشر: لا يجوز تغيير ما ذكر أو إلغاء أو إضافة لهذا المرسوم إلا بموافقة ثلاثة أرباع مجلس الشورى.
رفعت رأسي عما كنت فيه وأنا كلي سعادة بأنني سألتقي بسيدي ومعي ما كتبت.
سرقني الوقت، وهاأنا في منتصف ليل اليوم الثاني، ذهبت للنوم ووضعت رأسي على الوسادة، وما هي إلا دقائق حين استيقظت على صوت زوجتي وهي تقول لي انهض، لقد أتعبتني بأحلامك...
كان حلماً مسؤولاً وجميلا.