تبرز التساؤلات عن دور المثقف إزاء قضايا أمته ومجتمعه المحلي، خاصة وقت الأزمات. كلنا يذكر البيانات التي تزامنت مع حرب تحرير الكويت 1990، حين انقسم المثقفون العرب بين مؤيد ومعارض لاستدعاء القوات الأجنبية. ولم يكن مجتمعنا بمنأى عن تلك الانقسامات التي عبرت عنها تلك البيانات. وسمعنا لأول مرة صوت المثقفين وهم يصدرون بيانات التنديد بالغزو، والتأييد لدور الجيوش الأجنبية في هذه الحرب، وفي المقابل تعالت أصوات الرافضين، وكأنما كانت الجيوش العربية في طريقها لدك حصون الجيش الصدامي الذي جثم فوق تراب الكويت. خرجنا من تلك الحرب بانتصارين: عسكري وثقافي، لأنها أسفرت، على الأقل في مجتمعنا عن بروز أصوات مؤثرة عززت من دور المثقف الواعي في تشكيل توجهات مجتمعه، وفلترة عقول العامة من شوائب التشدد. ولم يعد مستغربا أن نسمع عن بيانات يصدرها مثقفون يعبرون فيها عن رأيهم، أو يقومون بدور الإصلاحي. وسواء كانت تلك البيانات تخص قضايا المجتمع كإصلاح التعليم، وحقوق المرأة، وغيرها، أو قضايا قومية سياسية اعتاد مثقفونا أن يلتزموا الصمت حيالها، إلا أن المحصلة هي بروز المثقف العضوي، واضطلاعه بدوره الطليعي. وجاءت أحداث 11 سبتمبر لتضع المثقف السعودي في موقع الصدارة وهو يخاطب العالم بلغة السلام والاعتدال والتسامح، مقارنة بأصوات التطرف والعنف التي كشرت عن أنيابها، بل ودخلت في حلف مع خلايا الإرهاب النائمة لتغذيها بأيديولوجيتها المنحرفة. وكرس المثقفون خطابهم وبياناتهم المتتالية لإرساء ثقافة التسامح والحوار خاصة مع الآخر فكان بيانهم: على أي أساس نتعايش؟ الذي أصدروه في خطوة رائدة ووجهوه للمثقفين الأمريكيين ردا على بيانهم: على أي أساس نقاتل؟ الذي حرضهم جورج بوش الابن على إصداره بعد خمسة أشهر على أحداث 11 سبتمبر لتأييده في حربه ضد الإرهاب. إلا أن مجموعة أخرى من المثقفين الأمريكيين أصدروا بيانا آخر ينددون فيه بسياسة بوش وحربه تلك، مما يعطينا دلالة على طبيعة العلاقة بين المثقف والسلطة كما يجب أن تكون.
وهكذا فإن المثقف الحقيقي أو العضوي، كما عرفه غرامشي، إدوارد سعيد هو ذلك الذي يسعى إلى إنشاء ثقافة جديدة أو نظام قانوني جديد وما إلى هنالك. لذلك لم يكن بيان المثقفين السعوديين الذي صدر إثر اعتداء إسرائيل على قافلة الحرية، مفاجأة لي. لكن المفاجأة الكبرى هو ذلك البيان الساخن الذي أنضجه الحوار الوطني وتلاه الدكتور عبدالعزيز السبيل، والمتضامن مع الفلسطينيين في غزة، وأيده المنتدون من مختلف التيارات والمذاهب، فكان مسك الختام.