إذا أراد أوباما أن تنجح جهوده، فإن عليه أن يواجه ليس فقط حكومة إسرائيلية متعنتة وواقعا فلسطينيا عنيدا، ولكن عليه أن يواجه أيضا انحيازا راسخا لا يستند إلى المنطق في الكونجرس الأمريكي
في محاولة لتغيير الاتجاه وإيجاد مقاربة أفضل للتعامل مع الأزمة الطويلة التي تواجه غزة، تواجه إدارة أوباما عدة عقبات راسخة وعميقة.
الرئيس أوباما حدد معالم مقاربته الجديدة أمام الصحافة خلال لقائه مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في البيت الأبيض. بعد تأكيد موقفه بعد الحادثة البحرية ضد أسطول المساعدات بأن الحصار الإسرائيلي على غزة لا يمكن استمراره، دعا أوباما إلى آلية دولية جديدة تشمل إسرائيل، وتضم أيضا مصر، السلطة الفلسطينية، والمجتمع الدولي، والتي ستركز على عدم السماح بالأسلحة في الوقت الذي يسمح فيه ليس فقط بالإمدادات الإنسانية، ولكن أيضا البضائع والخدمات الضرورية للتنمية الاقتصادية، وقدرة الناس على إقامة مشاريعهم التجارية الخاصة وتنمية الاقتصاد وتوفير الفرص داخل غزة. لتوضيح الالتزام الأمريكي، أعلن الرئيس الأمريكي عن حزمة مساعدات تتضمن أموالا مخصصة للسكن، بناء المدارس، وتطوير المشاريع التجارية في غزة والضفة الغربية. في النهاية، كرر أوباما تأييده لفتح تحقيق شفاف ذي مصداقية يرتقي إلى المقاييس الدولية ويكشف كل الحقائق بخصوص الأحداث المأساوية التي نتج عنها موت 9 ركاب على سفينة مرمرة.
جهود الرئيس الأمريكي ستواجه تحديات هامة. الإسرائيليون، على سبيل المثال، لم يظهروا اهتماما بتحقيقات لا يستطيعون السيطرة عليها تماما. ردوا بالإعلان عن إجراء تحقيقاتهم الخاصة، وهي محدودة النطاق، وقالوا إنهم قد يسمحون لـمراقبين بمشاهدة عمليتهم. هذا بالطبع لا يلبي متطلبات الأمم المتحدة واقتراح أوباما. في نفس الوقت، فإن الجيش الإسرائيلي، بمصادرته كل المواد على السفن المحتجزة والممتلكات الخاصة للركاب (هواتف، كاميرات، أجهزة كومبيوتر محمول، وأشياء أخرى)، شوهت الأدلة وجعلت أي تحقيق مستقل أكثر صعوبة. بالإضافة إلى ذلك، وضح الإسرائيليون عدم اهتمامهم بمراجعة موضوعية في سلسلة من المقالات المنشورة على مواقع إلكترونية تابعة للجيش الإسرائيلي تدعي، دون أي أدلة أو توثيق، أن هناك انتماءات إرهابية لبعض الركاب، مع ذكر الأسماء.
ولم يبد الإسرائيليون أي رغبة بقبول أي حصار خاص بالأسلحة لا يسيطرون عليه بشكل كامل، واقترحوا عوضا عن ذلك تخفيفا محدودا لنظامهم القمعي الذي يسمح فقط لبعض الحلويات والبضائع التجارية ذات المصدر الإسرائيلي بالدخول إلى غزة.
العقبة الأخرى التي في طريق أوباما هي التصدع المستمر الذي يعاني منه النظام السياسي الفلسطيني. بإعلانه عن خطة المساعدات إلى غزة، أشار الرئيس أوباما إلى أنه يدعم رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس وأنه يرى في السلطة الفلسطينية شريكا في إدارة المساعدات الموجهة إلى كل من الضفة الغربية وغزة. لكن السلطة الفلسطينية ليس لها تأثير حقيقي في غزة، وبغياب أي تحرك نحو مصالحة فلسطينية فإنها ستستمر في عدم قدرتها على العمل في تلك المنطقة. في مسألة الوحدة الفلسطينية الضرورية جدا، التزم الرئيس أوباما الصمت.
أخيرا، يواجه أوباما تحديات محلية في وجه محاولاته لأخذ السياسة في اتجاه جديد. مع أن الرأي العام الأمريكي يؤيد العناصر الرئيسية لخطته، فإن الكونجرس لا يؤيد ذلك. وقد بين مسح أجرته مؤسسة زغبي انترناشيونال بعد لقاء الرئيس أوباما مع الصحفيين في البيت الأبيض أن هناك تأييدا لأهداف الرئيس أوباما. لدى الطلب من المشاركين بتقييم تصريح الرئيس: ما هو مهم الآن هو أن نخرج من المأزق الحالي، أن نستخدم هذه المأساة كفرصة لكي نعرف كيف يمكن أن نحقق المطالب الأمنية الإسرائيلية، ولكن في نفس الوقت نبدأ بإتاحة الفرصة للفلسطينيين، أن نعمل مع جميع الأطراف ذات العلاقة –السلطة الفلسطينية، الإسرائيليين، المصريين، وغيرهم- وأعتقد أن تركيا يمكن أن يكون لها صوت إيجابي في هذه العملية كلها عندما نجد حلا للخروج من هذه المأساة. ويجب جمع كل الأطراف مع بعضهم البعض لإيجاد طريقة للتوصل إلى حل الدولتين حيث يستطيع الفلسطينيون والإسرائيليون أن يعيشوا جنبا إلى جنب بسلام وأمن، قال 53% إنهم يؤيدون ذلك فيما قال 39% إنهم يعارضونه. ولدى سؤالهم عن ردة فعلهم على تصريح أوباما: الولايات المتحدة، مع باقي أعضاء مجلس الأمن الدولي، قالت بوضوح إننا ندين جميع الأعمال التي قادت إلى هذا العنف. كان وضعا مأساويا. هناك خسارة في الأرواح لم تكن ضرورية. لذلك فإننا ندعو إلى تحقيق فعال لكل ما حدث، أيد 49% موقف الرئيس فيما قال 38% إنهم لا يؤيدونه.
لكن الكونجرس له رأي آخر. في الوقت الذي انضم فيه أعضاء قليلون إلى الرئيس في إدانة أعمال القتل والدعوة إلى إجراء تحقيق عميق ومستقل، سارع عدد كبير من أعضاء الكونجرس، بما في ذلك أعضاء بارزون من الحزب الديمقراطي وجميع أعضاء الحزب الجمهوري تقريبا، إلى قبول الرواية الإسرائيلية وأدلوا بتصريحات لا تؤيد فقط الرؤية الإسرائيلية للأحداث، لكنها تدعو أيضا إلى استمرار الحصار.
كل هذا ينبه الرئيس إلى أنه إذا أراد أن تنجح جهوده في تغيير الاتجاه، فإن عليه أن يواجه ليس فقط حكومة إسرائيلية متعنتة ومتشددة في إسرائيل وواقعا فلسطينيا عنيدا، ولكن عليه أن يواجه أيضا انحيازا راسخا لا يستند إلى المنطق في الكونجرس الأمريكي.