لا بد لجامعاتنا أن تحرص على توطين المواهب القادمة وعلى استقرارها. وقد يقتضي ذلك أن يواكب نظام التجنس هذه الحاجة الملحة تماماً مثل ما قامت به بعض الدول المتقدمة

تقول سوزان هكفيلد رئيسة جامعة MIT : لم يكن دور الجامعات في تاريخ البشرية إنتاج أفكار جديدة وإنما كان اهتمامها الاحتـفاظ بالأفكـار القديمة وتعـليمها، وبعـد الحرب العالمية الثانية تـغير ذلك الدور بشكل مثير إلى أن أصبح نصف النمو الاقتصادي في أمريكا خلال النصف الثاني من القرن الماضي يعزى إلى التكنولوجيا التي تعود جذورها إلى الجامعـات التي تركز على البحث العلمي. فالرنين المغناطيسي GPS ، وwww وما قامت عـليه من صناعات قوّت الاقتصـاد ونهضت به شـواهد على لعب الجامعات أدوارا أساسية في نمو الاقتصاد.
فما هي هذه القصة؟
وفقاً لتقرير منظمة التنسيق والتـطوير الاقتصـادي الأمريكية OECD احـتلت الولايات المتحدة الأمـريكية المركز الأول في عام 1960 في نسبة خريجي المرحلة الثـانوية في العالم المتقدم وتخلفت في عام 2005 لتحتل المركز الـ 21. وفيما يتعلق بخريجي الجامعات احتلت الولايات المتحدة الأمريكية المركز الثاني عام 1995 وتخلفت عام 2005 لتحتل المركز الـ15، ويرجع التقرير هذا التخلف إلى تقدم الدول الأخرى لا إلى تراجع مستوى التعليم في أمريكا. ولهذا السبب وحتى تُعالج تلك المشكلة اتخذت خطوتان هاماتان أعادتا الولايات المتحدة إلى الصدارة. والخطوتان هما:
الأولى: إنتاج مواهب محلية Home Grown Talents
وتحويل اكتشافات تلك المواهب إلى صناعات تلعب دوراً أساسيا لتحقيق ما يسمى اقتصاد المعرفة.
الثانية: تعديل نظام الهجرة ليسمح ويسهل للمواهب القادمة للتعليم بالبقاء والعمل بشكل دائم.وتمثلت تلك الصدارة في إنجازات كبيرة منها الاكتشافات السابقة، وكذلك جعل ثمانية من الفائزين بجائزة نوبل عام 2009 في الطب والفيزياء والكيمياء من أمريكا.
أربعة منهم ولدوا خارج أمريكا.. وأتوا إليها كطلاب دراسات عليا في العلوم. ووفقاً لمجلة Technology Review Magazine فإن ستة فقط من 35 مخترعاً اعترف بهم عام 2009 أنهوا دراسة الثانوية في المدارس الأمريكية وقام 2340 طالبا أجنبيا تخرجوا من جامعة MIT بتأسيس شركات في أمريكا توظف أكثر من مئة ألف موظف.
ووفقاً لتحقيق لزلي ستول في برنامج ستين دقيقة في الـCBS فقد ترأس شركة مكنزي آند كومبني المعروفة أحد خريجي IIT الهندي... وكذلك نائب رئيس مجلس الإدارة في سيتي جروب وكان المديرالتنفيذي السابق لشركة (يو إس اي) للطيران من نفس الجامعة الهندية المشهورة بخريجيها المفضلين دائماً لدى الشركات الأمريكية الذين تبحث عنهم الشركات لتضعهم في مراكز قيادية عليا منها.
وفوق ذلك تطالب الجامعات القيادية في أمريكا الحكومة الأمريكية بتبني نظام هجرة جديد يسمح للطالب الأجنبي بالبقاء والعمل فيها منذ قـدومه للوهلة الأولى حتى يشعر بالأمن والاستقرار منذ البداية.وفي رأيي أن الدرس الأول المهم الذي نتعلمه من هذه المعلومات الموثقة هو الاستمرار في رعاية المواهب المحلية والاستعجال في تحويل اكتشافاتها إلى صناعات تسهم في الارتقاء بمستوى الاقتصاد الوطني وعمل كل ما يمكن لتحقيق هذا الهدف حتى لا تهدر مواهبنا. والدرس الثاني هو عدم انتظار التقدم الآتي من الموهبة المصنعة محلياً فقط، فبالإضافة إلى ذلك يمكننا السير في طريق من استغلوا المواهب الجاهزة (فنحن نملك كل الإمكانات لتحقيق ذلك) ورعايتها وتوفير البيئة المناسبة لها والاستفادة منها في الإنتاج.
جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية في ثول تسير في هذا الاتجاه وأسأل الله أن نرى ثمارها قريباً، لكن لا بد لهذه الجامعة ولبقية جامعاتنا أن تحرص على توطين المواهب القادمة وعلى استقرارها. وقد يقتضي ذلك أن يواكب نظام التجنس هذه الحاجة الملحة تماماً مثل ما قامت به بعض الدول المتقدمة التي عملت وتعمل على تحسين نظام الهجرة إليها ليواكب حاجة الجامعات تحديداً لبقاء العقول المتميزة من القادمين للدراسة أو العمل في تلك الدول بصفة دائمة أو منحهم الجنسية بشكل فاعل وعاجل. والجامعات في تلك الدول تطالب بمزيد من المرونة في نظام الهجرة إليها ليواكب احتياجها العاجل والماس وطلبها المتزايد للعقول المتميزة لإشعارها بالأمان للبقاء فيها بشكل دائم.
تحقيق اقتصاد المعرفة له أشكال متعددة وأساليب متنوعة ولنا في من سبقونا أسوة حسنة ولم تجد أكبر الدول تقدماً في العالم من غضاضة في طرق السبل التي تكفل لها القيادة والريادة في مجالات العلوم والهندسة والتكنولوجيا.