عبدالله الهاجري

الأيدي نوعان (الطاهرة) و(الباطشة) والفرق بينهما واضح وجلي ليس لفظاً فقط، وإنما إحساسا وشعورا، فالأولى تصير إلى تغيير ملامح العالم بعزف جميل عذب المقام، تتراقص عليه الأفئدة، وتهيم بين سحائبه النفوس تهذيباً لسلوكها، وشحناً لطاقات أهدرت لمن أفنوا العمر بين ظلم وقهر! ومن الأقدار الحتمية لهذا النوع البديع أنها تشعر الطرف الآخر بالفراغ المميت لعدم قدرته على الإحساس بمن حوله، فصفاته أنه كاره للحرية، عاشق للسيطرة، قامع لمن حوله بدموية الطباع المليئة بالتناقضات، وكل هذه المؤثرات تحوله إلى وحش كاسر يبطش بغدر وخيانة، وبقلب خبيث لا يعرف عن الرحمة ولا الإنسانية سوى المسميات!
أنامل الشاب عازف البيانو الشهير والموسيقار العالمي (مالك جندلي) السوري الأصل، والمقيم في الولايات المتحدة الأميركية، استفزت نظامه القمعي! وهو يبين لنا علاقة عشقه الأزلي لآلة (البيانو) منذ نعومة أظفاره، فعندما وقف على خشبة المسرح وهو في الثامنة من عمره طفلاً يافعاً نقياً، يكلم الجبال والأشجار بلغة خاصة، كان يكتم في نفسه ما لا يظهره لها، فيجعل أصابعه تنقر بألم آلته المحبوبة كي تتساقط نغماتها على من حوله كشلال ماء زلال يفوح بعطر الجمال والإبداع.. علمته آلة (البيانو) الحب والحنين، وتعلم منها الشوق والأنين، يتبادلان مع بعضهما حديث القلوب، ونزف الدموع، فشارك مع أبناء سورية ثورتهم أمام البيت الأبيض، لإيقاف يد الظلم والبطش التي فتكت بالكثير من أبنائها الصامدين، فقام يناجي معشوقته نصرةً لوطنه، وتراب أرضه، ودحراً لجرائم بشار ورموز نظامه عبر تلك الآلة التي لم تكن بليدة كما يدعي البعض بل نجحت كما نجح في إيقاظ حواسنا ومشاعرنا، لقد أتقنت يد الغدر سيمفونية كانت فصيلتها (الدم) هذه المرة، فقام شبيحة بشار الأشر باعتداء سافر وإجرامي بضرب والد ووالدة مالك جندلي بمنزلهم في حمص، لم يكن هناك من تهمة موجهة لهذه الأسرة، سوى أنهم أخرجوا للعالم هذا الشاب المبدع، ليعلم بدوره الطرف الآخر دروساً في العزة والكرامة، ويوضح لنا الفرق الشاسع بينه وجبروت الطغاة، سفاكي الدماء، عندما يعزف بسماحة وحب، وعقل رشيد، محاكياً قلوب وعقول من في هذا الكون الفسيح بـ(البيانو) فقط!
نصر بإذن الله وفتح قريب يا شعب سورية الأبي!