الحدث الذي اعتبرته وسائل الإعلام الأجنبية أنه ينذر بـ'وقوع ثورة أخرى' في إيران لم يكن إلا احتجاجا على نتائج الانتخابات حيث تحول فجأة إلى مظاهرات كبرى

في الذكرى السنوية الأولى للانتخابات الرئاسية الإيرانية التي صادفت 12 يونيو اكتفى الشعب الذكي في طهران هذه المرة بإطلاق صرخات التكبير من فوق أسطح المنازل وكان مير حسين موسوي ومهدي كروبي قد أعلنا قبل يوم من تنظيم المظاهرة الاحتجاجية المزمع عقدها بمناسبة ذكرى الانتخابات عن إلغاء المظاهرات لتجنب العنف بعدما رفضت الداخلية الإيرانية إصدار ترخيص لإجراء المظاهرة.
لم تتوفر خدمة الإنترنت للجميع في إيران، وتناقل أنصار المعارضة رسائل الهواتف المحمولة بصعوبة، لذلك كان إيصال رسالة قادة المعارضة بشأن إلغاء الانتخابات أمرا صعبا.
وحتى قبل أن يطلب موسوي من الشعب المكوث في بيوتهم، فإن المواطنين قد لبوا الدعوة حيث إنهم واكبوا موسوي وكروبي في تبني القرار الذكي للحيلولة دون إثارة العنف والاشتباكات.
وكانت الصور التي شاهدها الشعب لقتلى الاحتجاجات في المظاهرات أو تحت التعذيب في السجون والقمع الذي قامت به السلطات قد بلغ حدا حيث استبعد الكثيرون إقامة مظاهرات بحضور ملايين من المحتجين مثل ما حدث في 15 يونيو.
الحدث الذي اعتبرته وسائل الإعلام الأجنبية أنه ينذر بـوقوع ثورة أخرى في إيران لم يكن إلا احتجاجا على نتائج الانتخابات ومتابعة مطالبهم حيث تحول فجأة إلى مظاهرات كبرى لم تشهدها إيران خلال العقود الماضية.
وكان الشعب الذي شارك في المظاهرات بمختلف فئاته هو نفسه الذي شارك في احتجاجات قبل الثورة ضد الشاه لتغيير النظام الملكي إلى نظام جمهوري.
ويبدو أن وقوع ثورة بواسطة الجيل الذي شارك في تلك الثورة غير وارد في المرحلة الراهنة، أو بتعبير آخر فإن الجيل الذي شارك في الثورة ويعيش في الوقت الحاضر مع الجيل الجديد يرغب في إيجاد التغيير والانفتاح السياسي والاجتماعي ضمن الحكم الحالي.
ولكن ما السبب الذي جعل الشعب في طهران يصعد فوق الأسطح ويهتف مرددا شعارات التكبير؟
كنت أشاهد تلفزيون الجمهورية الإيرانية صدفة في 11 يونيو وشاهدت قناة بريس تي في الإيرانية بالتحديد حيث كانت تبث فيلما وثائقيا تحت عنوان المفترق حول مقتل ندى آغا سلطان.
كان مراسل القناة يحاول كشف حقيقة مقتل ندى سلطان وكان يرافق أستاذة ندى في الموسيقى حيث كانت بصحبتها عند مقتلها في ساحة الثورة وإلى مكان إطلاق النار وحتى المستشفى ومن ثم بيت فتاة تشبه ندى آغا سلطان. ويدعي المراسل أن ندى سبق أن غادرت إيران إلى الخارج، ثم يقول في نهاية المطاف إن ندى قتلت على يد مجاهدي خلق.
لماذا وكيف قتلها عناصر مجاهدي خلق... الله أعلم!
كما أجرت القناة مقابلة مع عباس كركر الذي وصفه آرش حجازي، الطبيب الذي شهد على مقتل ندى، بأنه كان من عناصر الباسيج وأنه أطلق النار باتجاهها.
وأوضح عباس كركر خلال المقابلة أنه لم يحمل سلاحا خلال الاحتجاجات.
ولكن عضو الباسيج هذا لم يوضح للصحفية التي أجرت معه اللقاء وللمشاهدين كيف تم نشر بطاقته المدنية في الإنترنت ولماذا لم يحضر في أي مقابلة خلال السنة الماضية لتوضيح الأمر.
وفي هذه الأثناء كان التلفزيون الفارسي الحكومي يبث الفيلم بشكل متزامن حيث كرس القائمون على الإذاعة والتلفزيون نشاطهم عشية ذكرى الانتخابات ليروجوا أن مقتل هذه الفتاة كان سيناريو معد سلفا بواسطة المتغلغلين بين المحتجين. لنفترض أن المتغلغلين هم المتورطون بمقتل ندى، فمن المسؤول عن قتل الضحايا السبعين الآخرين؟
وكان أهالي طهران وبعد مشاهدة الفيلم الوثائقي هذا قد خرجوا بشكل تلقائي من بيوتهم إلى أعلى أسطح المنازل واحتجوا على ذلك بإطلاق صرخات التكبير.
كان الاحتجاج على سوء التعامل مع موضوع مقتل الفتاة البريئة التي أصبح هذا وذاك يستغل مقتلها للوصول إلى مآربه، وهذه المرة خرجت مؤسسة الإذاعة والتلفزيون الحكومي علينا لتلقي سبب مقتلها على عاتق المتغلغلين بين المحتجين.
يستغل الجميع من مجاهدي خلق إلى الشيوعيين وأنصار الثورة ومعارضيها والآخرين موضوع مقتل ندى آغا سلطان للوصول إلى مآربهم الخاصة.
ولما أصبح هذا المخزن يستقطب زبائن كثيرة فإن التلفزيون الحكومي حاول أن يأخذ قطعة من الكعكة أيضا ليحصل على نصيبه.
وفي هذا الوسط، تتحمل أم ندى وأهلها ومحبوها مصائب الروايات المختلفة حول مقتلها ويسيطر عليهم الحزن كل يوم.
أتصور أن صرخات التكبير التي أطلقها الأهالي كانت احتجاجا على القراءة التي تتبناها السلطات حول مقتل ضحايا الاحتجاجات بالتزامن مع ذكرى مقتلهم.
ربما ينسى الشعب الإيراني موضوع الانتخابات والفائز والخاسر فيها لكنه لن ينسى صور مقتل مواطنيه والعنف الذي مارسته السلطات ضد المحتجين.