هناك من الدول العربية تحديدا من تنسى جنوبها, ومن تنسى شمالها أو شرقها أو غربها, وهناك من تنسى الجنوب والشمال معا مثل الصومال, ومنها من تنسي الجنوب والغرب مثل السودان, ومنها من تنسى أنها دولة ينبغي أن تفرض سيادتها على كل شبر كالعراق. لكن الجنوب يظل قاسما مشتركا في معظم الدول الموجوعة بحمى الرغبة في الانفصال أو إيثار الاستئساد, أو الخلاص من الإحساس بالاستبداد.
على أن حمي الانفصال لا تظهر فجأة من دون أعراض, فهي ككل الأمراض تظهر آثارها على الجسد بالتدريج حتى تطفح على الوجه في شكل بقع ونتوءات.
ومن الدول من تسارع للعلاج على الفور متحرية التخلص من الداء وليس من العرض, والنتيجة الطبيعية شفاء الجزء المصاب وتفاعله مع سائر أعضاء الجسد بحيث يتجدد شباب الدولة, ومنها من تميل الي المسكنات التي تقضي على الأعراض دون أن يشفى الجزء المصاب. ومنها من تريح نفسها وتركب دماغها وتنسى الجزء المصاب قبل أن تستيقظ على حقيقة ضرورة البتر أو الفصل أو الانفصال.
والحق أننا في الحالة الصومالية تأخرنا كثيرا وكانت النتيجة ثلاثة أو أربعة أجزاء تنادي الآن بالانفصال, وفي الحالة السودانية أصبح لدينا إقليمان يناديان بالانفصال.
صحيح أن ثمة عوامل خارجية تدفع في هذا الاتجاه وترقص فرحا لولادة دولة من رحم أخرى, لكن تأخرنا ساهم ويساهم بشكل أو بآخر في استفحال الأمر.
وفيما تتواصل أعراض المرض منادية بالتدخل, تصاب الدول الموجوعة في جنوبها أو شمالها أو شرقها أو غربها بداء العنجهية, ففلول الانفصال ينبغي أن تباد, ودعاوى الفرقة ينبغي حرقها, والواقع أن مبادئ عربية أخرى هي أيضا تستحق الإبادة والحرق, منها المصالح الشخصية المحضة, ومنها الأهواء السياسية المهجنة أو المستهجنة, ومنها المغامرات الحزبية الفاشلة.