القصير(سورية): د ب أ

شباب 'القصير'.. بين الخوف وترقب الموت

بعد قرابة عام انتشرت فيه رائحة الموت من حوله، لا يستطيع الفتى السوري مأمون (24 عاما) أن يزيح فكرة الموت عن رأسه، فهو يترقبه بين لحظة وأخرى. في جبانة بسيطة ببلدة القصير حيث يعيش، يشير مأمون إلى حفرة حديثة في الأرض ويقول وقد كست وجهه ابتسامة لم يستطع دفع العصبية عنها هذا قبري.. سأضع عليه لوحا خشبيا حتى لا يأخذه غيري.. كلي ثقة بأنني سأكون الشهيد التالي، لذا أريد أن أبقيه لنفسي.
إن الخوف الذي يلازم سكان الأحياء التي تقاوم حكم نظام الأسد قد ترك أثره في نفوسهم. وفي المساء يفتح مأمون حاسوبه الشخصي وينظر إلى صور المصابين في إحدى العيادات المؤقتة، وقد التف رجال ونساء حول جسد ميت، يحيطه أطفال ببكائهم وصراخهم. بطاريات حاسوبه المحمول على وشك أن تنفد والتيار الكهربي مقطوع، غير أن وصلات الإنترنت محجوبة على أية حال، لذا لن يتمكن مأمون من بث الصور لمؤيدي الاحتجاجات في سورية. لقد صارت أنات المعاناة واليأس التي يصدرها حاسوب مأمون إيقاعا يوميا في حياة الشاب خلال الأشهر العشرة الماضية.
أعضاء أسرة مأمون مسجلون في القائمة السوداء للنظام، وقد اعتاد هو فكرة أن أجله قد اقترب، وصار يعمد إلى اختيار أقصر الطرق إلى منزله عندما يكون في الجوار، رغم يقينه أن هناك قناصة فوق أسطح المنازل. ويقول مأمون وهو يسير ببطء كما لو كان يستفز القناصة ليطلقوا رصاصاتهم عليه لقد سئمت السير في طرقات ملتفة.
لقد اعتاد السوريون التعايش مع العنف ورائحة الموت منذ اندلاع الاحتجاجات منتصف مارس عام 2011 ، وقد أصبح تحاشي القنابل ورصاص القناصة روتينا يوميا للكثيرين. يقول عامل كهرباء إنه تبرع بدمه لصديق له يدعى عازم أملا في إنقاذه ولكن ذلك لم يجدِ نفعا فهو الآن في الجنة.. دمي ذهب معه وسألحق به عما قريب. ويسيطر التفكير في الموت على أذهانهم ولا يغادرها للحظة، ومعظم هؤلاء الشباب عاطلون عن العمل ويقضون وقتهم في تشييع الجنازات، ما لم يكونوا ضمن إحدى المظاهرات أو المسيرات الاحتجاجية ضد الحكومة. يقول معمر (23 عاما) الذي انضم مؤخرا للجيش السوري الحر ليس لدي ما أقوم به.. شروط انضمامي للجيش الحر اتمام الخدمة العسكرية وأن يكون لدي سلاح، وحيث إنني ليس لدي من المال ما يكفي لشراء سلاح، فقد أعطوني بندقية كلاشينكوف. أم معمر المصلين في جنازات ثلاثة من رفاقه مؤخرا، كان مسلحون موالون للنظام اختطفوهم قبل بضعة أيام، ثم عثر على جثثهم في الطرقات لاحقا وقد ظهر عليها آثار التعذيب. يشار إلى أن زراعة التفاح تمثل المورد الاقتصادي الأهم في القصير، ولكنها قد أصيبت بشلل تام، وقد تحول أحد أكبر مستودعات التبريد لحفظ الفاكهة إلى مستودع للجثث.