مرّ حوالي عام على الانتخابات الرئاسية الإيرانية المثيرة للجدل في يونيو 2009. وقد أشعل المرشد الأعلى للثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي، بسبب زج نفسه وسط الصراع السياسي للبلد لمصلحة الرئيس أحمدي نجاد، فتيل مواجهة جديدة مع الشعب الإيراني - خاصة الشباب منهم - مما جعلهم يحولون مركز اتهاماتهم بالتزوير من الرئيس أحمدي نجاد إلى المرشد الأعلى خامنئي.
الوجه الجديد لآية الله خامنئي ورفضه العنيد لتخفيف تأييده للسيد أحمدي نجاد حول البرنامج النووي الإيراني يحرك مستقبل إيران إلى اتجاه خطير من المواجهة دفع أعضاء المعارضة وبعض المحافظين، مثل موسوي وكروبي ورفسنجاني، لتهدئة اتهاماتهم العلنية بتزوير الانتخابات وتغيير استراتيجيتهم في سبيل تحقيق إصلاح حكومي.
وهكذا أصبح الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي وقادة بارزون آخرون في التيار الإصلاحي أكثر هدوءا، وخفضوا من مستوى شكواهم حول الانتخابات المثيرة للجدل لأنهم لاحظوا أن هناك خطرا خارجيا حقيقيا يحدق بالبلد. فهم يعون تماما أنه إذا استدرجت إيران إلى مواجهة عسكرية مع المجتمع الدولي فإن الإصلاحيين سيكونون الضحية الأولى للهجوم الخارجي لأن الحرس الثوري الإيراني سيعتبرهم عملاء خارجيين وسيعمل على إزالتهم من النظام الحاكم.
بوصفه المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، نادرا ما كان آية الله خامنئي يعبر عن رأيه بشكل مباشر أو يتخذ موقفا واضحا حول سياسة الدولة. ومع أن اهتماماته وأفكاره الحقيقية معروفة للشعب الإيراني بشكل عام، إلا أنه كان يعبر عنها دائما من خلال تلميحات خفية. الغاية من التعامل مع الأمور بهذه الطريقة كان محاولة عدم اتخاذ مواقف علنية مؤيدة لطرف سياسي ضد طرف آخر، وبهذا يعفي نفسه من المسؤولية عن اتخاذ قرارات معينة.
لكن هذه اللعبة السياسية انتهت عندما كشف غطاء آية الله خامنئي. فقد استسلم أخيرا للصرخات المرتفعة للمحتجين بعد الانتخابات الرئاسية المطالبة باستقالة السيد أحمدي نجاد وأعلن عن موقفه بشكل علني.
هذه الصورة الجديدة والمختلفة كليا للمرشد الأعلى آية الله خامنئي، الذي كان يتستر منذ قيام الجمهورية الإسلامية بغطاء من الروحانية والفردية ليسمو فوق الشؤون السياسية، هزت الشعب الإيراني. من خلال تصنيف ملايين المواطنين الإيرانيين على أنهم محرضون ومحاربون أعداء وعناصر أجنبية، بين السيد خامنئي إلى أي مدى هو بعيد عن واقع الأمور في المجتمع الإيراني. أصبحت مصداقيته وقدرته على حكم البلد بفعالية محل شك لدى بعض الأطراف السياسية داخل إيران، الأمر الذي أدى إلى انتشار إشاعات بأنه ربما يخسر منصبه بسبب عدم إنصافه ورفضه لتقديم أية تنازلات.
إن السبب الذي يزيد من التصاق المرشد الأعلى مع الرئيس الإيراني والحرس الثوري هو البرنامج النووي الإيراني. جميع هؤلاء اللاعبين الثلاثة يسعون وراء الهدف نفسه: الحصول على التقنية النووية مهما كانت نتائج ذلك على إيران. بالنسبة للمرشد الأعلى آية الله خامنئي، السيد أحمدي نجاد هو الرئيس الوحيد الذي يستطيع أن يعتمد عليه بشكل كامل في هذه المرحلة الهامة لأنه الوحيد الذي يضمن أنه سيرفض التفاوض مع القوى الأجنبية حول برنامج الطاقة النووية في إيران.
إن عدم وجود مؤهلات دينية عليا لدى السيد خامنئي جعلت آراء كبار رجال الدين في قم فيه منخفضة بشكل عام. وحيث إن المرشد الأعلى لم تكن لديه مطلقا قاعدة تأييد قوية في مدينة قم، فقد كان يستثمر خلال العشرين سنة الماضية في الحرس الثوري الإيراني وميليشيا الباسيج لحماية وضمان سلطته.
إن ما يخيف غالبية كبار رجال الدين في إيران اليوم هو احتمال أن يقوم آية الله خامنئي في النهاية بجر البلد إلى حرب غير مرغوب فيها من أجل طموحات المرشد الأعلى النووية. السيناريو البديل الذي يخشى منه أيضا هو أنه إذا أصبح خامنئي ضعيفا فإنه قد يسمح في النهاية بتحويل الحكومة الحالية إلى نظام عسكري. وفي مواجهة التهديد العسكري، يعرف رجال الدين في إيران أن المرشد الأعلى آية الله خامنئي لا يمتلك الشعبية الكافية أو النفوذ الكافي الذي كان مؤسس الجمهورية الإسلامية آية الله خميني يمتلكها لتوحيد الشعب الإيراني في حال تعرضه لهجوم خارجي.
ربما توصل الإصلاحيون في إيران إلى نتيجة مفادها أنه في هذه الفترة الحرجة، تحتاج إيران إلى السلام في المشهد السياسي الداخلي لكي تبعد نفسها شيئا فشيئا عن خطر الحرب وتهدئ الخلافات مع المجتمع الدولي بشأن ملفها النووي. وقد ظهر الرئيس الإيراني الأسبق هاشمي رفسنجاني كآخر رجل دين قوي بقي بجانب المرشد الأعلى للجمهورية آية الله خامنئي، ولذلك فهو يمثل آخر أمل للمعتدلين والإصلاحيين وحتى المحافظين في قم لـإنقاذ الجمهورية الإسلامية من أيدي الحرس الجمهوري وميليشيا الباسيج.
إن الذكرى السنوية للانتخابات الرئاسية في يونيو تأتي في الوقت الذي تنشغل فيه الحكومة الإيرانية باحتمال صدور قرار بتجديد العقوبات الدولية على إيران، وهي تستعد في الوقت نفسه لاحتمال وقوع مواجهة عسكرية.
إن الآمال المعلقة على السيد هاشمي رفسنجاني لإيجاد حل ومخرج سلمي من المآزق التي تمر بها إيران ليست فقط آمال المؤسسة الدينية في قم والشعب الإيراني بشكل عام، لكن العالم كله ينتظر ليرى إذا كان رفسنجاني سيستطيع أن يحل المشكلة سلميا.