إذا أرادت الحكومات العربية أن تتخذ موقفاً موحداً تجاه إسرائيل، فيسعها أن تقرر معاً تسمية شارع في كل عاصمة عربية على اسم الناشطة الأمريكية الراحلة: (ريتشل كوري).. وهي حركة ستغيظ المعتدي الإسرائيلي لأبعد حد.
ولعله من المحبط أن يصير اهتمامنا مقتصراً على إغاظة العدو وفرسه وكأننا في خضم مكيدة حريمية! لكن الكلام الكبير عن التحرير والانتصار ورمي العدو في البحر له رجاله ومسؤولوه الذين يواصلون استغلال فرصتهم والتجريب منذ سبعين سنة. الحكومات والزعامات لها أساليبها وسياساتها. أما المواطن الناشط منسوب الجسد المدني الفاعل فله أساليبه أيضاً التي باتت تحرك المشهد وتترك أثراً أهم بكثير من السياسي المحترف.
لم تكن إسرائيل ضعيفة مهزوزة أمام الرأي العام العالمي كما هي اليوم. وقافلة (الحرية) ليست هي السبب الأوحد. ما حصل مع (الحرية) هو حلقة أخيرة في مسلسل طويل موجه نحو رجل الشارع العادي في كندا والدنمارك والبرازيل واليابان.. المواطن العادي الذي يزعم أنه مهتم بثقب الأوزون وقلق لارتفاع نسبة الكربون بالجو ويحزنه انخفاض تعداد وشق الاسبستوس في غابات التاندرا.. إنه نفس المواطن العالمي الذي يقبل على شراء الملابس ماركة GAP لأن الشركة تدعم مرضى الإيدز في إفريقيا.. وذات المواطن الذي يفضل شراء (تويوتا ياريس) على أي سيارة أخرى لأن الأولى تسوّق كـ صديقة للبيئة.. نفس المواطن الذي قاده وعيه السياسي لبغض اليمين الأميركي والتعاطف مع اليسار الفنزويلي والتساؤل بخصوص الوسط البريطاني.
في الزمانات، كان هناك كلام كبير بخصوص دور الإعلام العربي في صياغة وعي المواطن الغربي.. على أساس أن إسرائيل قد اختطفت العقلية الغربية إعلامياً بالترويج الكاذب لعدالة قضيتها وبالافتراء على العرب وتصويرهم كمجرد وحوش متخلفة لا هم لها سوى تلبية شهوتها للدم وأشياء أخرى. هذه الصورة العربية إعلامياً لم تتغير كثيراً.. والإعلام العربي لم يثبت ذاته في السنوات الأخيرة في العقلية الأجنبية. باستثناء قناة واحدة أو اثنتين ربما.. فليس هناك منبر عربي في قلب أميركا ينافس فوكس نيوز أو حتى بـ حياديةCNN. ومع ذلك فإن المواطن الأميركي والأوروبي المثقف قد صارا أكثر وعياً بالحق الفلسطيني وبكذبة إسرائيل.. فما الذي حصل؟
الذي حصل هو الإنترنت.. هو رأي المواطن الحر.. وهو المعلومة الرخيصة المباشرة. الذي حصل هو صوت المجتمع التطوعي المدني السلمي العربي الذي تواصل - بخفوت شديد متخطياً حواجز هائلة - مع فرعه في الغرب.. ومتى ما وصل رجع الصدى للغرب كان له تأثير كبير على الحكومة وعلى صانع القرار.
اليوم في محطات الأخبار الكندية والبريطانية والأميركية حين تتم استضافة مسؤولين صهاينة بخصوص أحداث الحرية، فإن هؤلاء يتعرضون لإحراج ويحشرهم المذيعون في زوايا صعبة لم يكن أكثر المراقبين العرب تفاؤلاً يحلم بها قبل عشرين عاماً. الرأي العام الغربي يعاد تشكيله. قد لا تتغير السياسة الخارجية الأميركية قبل عقدين آخرين وستستمر معاناة الفلسطينيين حتى ذلك الوقت. المصالح الدولية شيء آخر كبير غارق في التعقيد والوساخة. لكن الرأي العام يمكن إعادة تشكيله بألف طريقة وطريقة. والناشط المدني العربي المسلم اليوم لديه فرصة عظيمة لأنه يحظى بدعم نظيره الأميركي والأوروبي واللاتيني.. لا ننسى اللاتيني الأميركي الجنوبي، وهذا عالم شاسع واعد نحن عنه غافلون.
بوسعنا - كعرب - أن نلعب لعبة مزدوجة يتضافر فيها الحكومي بالشعبوي ونضرب عصفورين بحجر: ليت الحكومات العربية تتفق على تخصيص شارع في كل عاصمة عربية باسم المناضلة الأمريكية التي قتلها الإسرائيليون قبل سبع سنوات الراحلة (ريتشيل كوري).. وهي حركة سيتردد صداها في الإعلام الغربي مطولاً وستكسبنا أصواتاً أكثر.. كما ستغيظ العدو جداً!
نافذة:
الرأي العام الغربي يعاد تشكيله. والناشط المدني العربي المسلم اليوم لديه فرصة عظيمة لأنه يحظى بدعم نظيره الأميركي والأوروبي واللاتيني.. لا ننسى اللاتيني الأميركي الجنوبي، وهذا عالم شاسع واعد