تألمت وأنا أشاهد مقطع (يوتيوب) تناقلته صناديق البريد الإلكترونية يصور كيف يعبث أطفال صغار

تألمت وأنا أشاهد مقطع (يوتيوب) تناقلته صناديق البريد الإلكترونية يصور كيف يعبث أطفال صغار - لا تتجاوز أعمارهم الحادية عشرة والثانية عشرة- بكرامة خادمة (شرق آسيوية) في بيتهم ويمتهنون إنسانيتها وهم يتضاحكون! في المقطع المؤلم تحاول الخادمة المسكينة الفرار من أيدي أولئك الصبية العابثين الذين أقفلوا الباب وراحوا يشبعونها ضربا وإيذاء، ولم يتورع بعضهم عن التحرش بجسدها في ظل غياب رقابة الأهل أو عدم اكتراثهم بما يحدث! والمقطع يطرح صورة موجودة في مجتمعنا لا نستطيع إنكارها، فثمة خادمات يذقن الأمرين نتيجة لسوء معاملة الأسر المستخدمة لهن، والعنف الجسدي والمعنوي والنفسي واللفظي الممارس ضدهن، وامتهان الانسانية في ظل ثقافة تهمش حقوق الضعيف والمسكين، وتتمظهر فيها كافة أنواع التمييزات العنصرية والطبقية والجنسية! بل ثمة من يعتقد أن خادمة البيت جارية اشتراها بالمبلغ الذي يدفعه عند الاستقدام، وبناء عليه فمن حقه أن يفعل بها ما يشاء وصولا إلى استرقاقها جنسيا!! ناهيك عن ساعات العمل الطويلة والمتواصلة دون راحة، واستبقاء الخادمات لوقت متأخر من الليل ليخدمن الساهرين والساهرات بالمنزل في أيام الإجازات، ثم إيقاظهن باكرا دون رحمة صباح اليوم التالي! بل ثمة من لا يرى بأسا في الازدراء والشتائم والانتقادات الجارحة والملاحظات القاسية التي تكال للخادمات، فهي وسائل وأدوات لردع وتقويم هذه الفئة قليلة الخير وناكرة الجميل حسب زعمهم!

كنتيجة للتعامل غير الإنساني قد تقدم الخادمة على الانتحار، أو الهرب، أو قد تتحين الفرصة لممارسة عنف مضاد كنوع من الانتقام ورد الصاع صاعين لربة البيت الظالمة أو لرب البيت المتجاوز! وتحتشد في صحفنا أخبار عنف يمارس على الأطفال من قبل الخادمات، ولن يكون آخرها ما قرأناه عن خادمة دست سم الفئران في حليب طفل!

لن أنسى مشهد خادمة هربت من أحد البيوت في حينا ولجأت إلى بيتي.. وجه يقطر بؤسا وحزنا وذلا، ونظرات زائغة مذعورة يقفز الخوف من أطرافها، ووجهها وجسدها ملونان بكدمات زرقاء وحمراء! حاولت تهدئة روع المسكينة، ولم يكن بيدي إلا الاتصال بالشرطة لتحل مشكلتها مع رب عملها! ولا أدري أي قلوب قدت من صخر تلك التي تتعامل مع من هو أدنى منها في السلم الاجتماعي بهذه القسوة؟! وألا تخشى تقلب الأيام ومداولتها بين الناس؟! ولماذا لا يعاد توجيه سيل المواعظ والمحاضرات الدينية إلى حسن الخلق وآداب التعامل، بدلا من التركيز على التفاصيل الشكلانية؟! فقبل كل شيء الدين المعاملة كما يقول رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه!

على الجانب الآخر منذ أن فتح باب استقدام الخادمات والسائقين على مصراعيه توالدت مشكلات اجتماعية وأخلاقية متعددة في مجتمعنا، فهم أولا وأخيرا شباب وشابات -قادمون من ثقافات مختلفة - في مقتبل العمر وفورة الغريزة وتأججها، يشكلون مجتمعا خفيا له أسراره وملامحه ومجاهله وطرقه الباطنية للتنفيس عن غرائزه!

ما أحوجنا إلى مراكز أبحاث اجتماعية تدرس هذه الظواهر وتحدد إشكاليات التحولات الاجتماعية في مجتمعنا بأبعادها المختلفة وتحاول إيجاد الحلول!