عرعر: عبدالله الخدير

حزم الجلاميد نشأت مع خط 'التابلاين'.. اشتهرت بالمنجم.. و100 كلم تفصلها عن التنمية

لم تعد صباحات قرية حزم الجلاميد هادئة كما كانت، فالقرية التي تبعد 100 كيلومتر شمال غرب مدينة عرعر ولا يتجاوز عدد سكانها ألف نسمة، تبيت كل ليلة على موعد مع صباح جديد محمل بالتفاؤل، فالقرية التي لم تكن تتيح لأهلها فرصا وظيفية باتت على موعد مع تنمية شاملة تجعل من اسمها عاصمة لمعدن الفوسفات في الجزيرة العربية، وبالتالي تحتوي أبناءها وتضمهم للعمل في أكبر منجم للفوسفات في المملكة.
حياة السكان
الأهالي الذين يشكون قلة الدخل وقلة الفرص الوظيفية المتاحة ويعيشون على معونات الضمان الاجتماعي، ومعونات فردية، وجمع حديد الخردة وبيعه ويفتقدون للكثير من مقومات الحياة الأساسية فغالبهم يعيشون في مساكن شعبية أو غرف صفيح، ومنهم يسكن في خيمة وما زالت حياة البادية حاضرة، ومنهم من اختار السكن في خيمة نصبها داخل مقر عمله كما تضم القرية بقايا بيوت طينية تدل على قدم قيام القرية.
تاريخ الحزم
حزم الجلاميد كما يقول فالح صغير الهزيمي أحد سكانها سميت بهذا الاسم نسبة إلى وجود حزم (جبل) أسود في المنطقة، والجلاميد نسبة إلى صخور متساوية بجانب الحزم.
ويضيف: نشأت الحزم مع قيام خط الأنابيب وبعد أن قامت شركة التابلاين بإيجاد ما يعرف بالقرو الذي كان سببا لتوافد أصحاب الماشية واستيطانهم، والتحاق البعض منهم بالعمل لدى الشركة، ويؤكد: لم تكن حزم الجلاميد تعرف إلا كإحدى المناطق الرعوية في موسم الربيع التي يتجه إليها أصحاب الماشية في هذا الموسم.
ويقول: الحزم أحد أهم أماكن صيد الصقور لطيور الحبارى والقمري والقطا، ويرتادها محبو هذه الهواية من كافة مناطق المملكة ومن دول الخليج العربي، ويشهد الحزم خلال هذه المواسم التي تستمر عدة أشهر حركة تجارية غير عادية.
مولد جديد
ويقول: منذ أن أعلن وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي اكتشاف الغاز فيها ووجود الفوسفات أصبح اسم القرية يتردد عبر وسائل الإعلام العالمية اتجهت إليها أنظار العالم، وبحسب موقع شركة معادن المستثمر للفوسفات في الحزم أن حزم الجلاميد أصبح يحتوي على منجم للفوسفات يقدر إنتاجه من الخام بنحو 11.6 مليون طن في السنة ومصنع لرفع نسبة تركيز الخام تبلغ مساحته نحو 50 كيلومترا مربعا، ينتج نحو 5 ملايين طن في السنة من مركزات الفوسفات الجافة.
وتشير التقديرات إلى أن الاحتياطيات المتوفرة في منطقة رخصة التعدين في حزم الجلاميد تصل إلى نحو 534 مليون طن. كما يحتوي المشروع على بنية تحتية صناعية ضخمة لدعم عمليات التعدين وتركيز الخام.
آمال مبعثرة
ويقول مدير المدرسة الابتدائية بحزم الجلاميد عامر العنزي: مع اكتشاف هذا المنجم زادت تطلعات أهالي القرية واتسعت دائرة آمالهم بأنه سيتحقق لهذه القرية المنسية نقلة نوعية بإيجاد بنية تحتية كانت تفتقدها، كانت أحلام أهالي القرية بسيطة لا تتجاوز بساطتهم في هذه الحياة، وغاية طموحهم ومنتهى أمانيهم الحصول على فرص وظيفية تساعدهم على ظروف الحياة وتحد من نزوحهم إلى المدن، وأن تتوفر لمنازلهم خطوط الهاتف، وأن يتم توصيل الكهرباء لمنازلهم عن طريق شركة الكهرباء بدلا من المولد الخاص بأحد المقاولين، وإيجاد ماكينة صراف آلي ليتمكنوا من استلام ما يصرف لهم من الضمان الاجتماعي بدلا من تكبد عناء السفر 200 كيلومتر ذهابا وإيابا لاستلام مبلغ قد لا يتجاوز 800 ريال.
ويضيف: يكتمل عقد أمانيهم فيما لو وافقت الإدارة العامة للتربية والتعليم بمنطقة الحدود الشمالية على افتتاح مرحلة ثانوية لأنهم قد يكونون الوحيدين الذين لا يفرحون بنجاح أبنائهم في المرحلة المتوسطة لأن هذا يعني أنهم أمام أمرين إما الاكتفاء بما استحصلوا عليه من تعليم، وإما الهجرة من الحزم إلى مدينة عرعر، والحل الذي لم يحظ بموافقة الإدارة رغم مطالبات الأهالي هو افتتاح مرحلة الثانوية.
ويتابع العنزي يعمد عدد من سكان القرية إلى إرسال أبنائهم إلى مدينة عرعر لاستكمال تعليمهم في المرحلة الثانوية للأولاد، والمتوسطة للبنات، وغالبا ما يقيم أولادهم عند أقربائهم في عرعر أو أن تنتقل كل الأسرة إلى مدينة عرعر لتقيم في بيوت مستأجرة إن أمكنهم ذلك، أو في بيوت تبنى من الصفيح على أطراف مدينة عرعر في غالب الامر لعدم قدرتهم على تحمل نفقات استئجار منزل داخلها.
تبدد الأحلام
سرعان ما تبددت هذه الأحلام البسيطة وتحولت إلى كابوس وهاجس يقلق أهالي قرية الحزم بعد أن اكتشفوا بأن نصيبهم من هذه الآمال أن تحولت قريتهم إلى مكب للصرف الصحي ومردم للنفايات بما يهددهم بتلوث بيئي وبإلحاق الضرر ببعض المناطق الرعوية، ويقول المواطن دخيل الله مطيران إن آمالنا تكاد تتلاشى بعد أن رأينا أن الشركة لا تعبأ بهمومنا وصحة سكان القرية، فبعض المناطق الرعوية حولت لمكب للنفايات وبطريقة غير سليمة.
التعليم مستمر
ويعود مدير مدرسة حزم الجلاميد التي تضم المرحلتين الابتدائية والمتوسطة يتحدث بأن عدد الطلاب 64 طالبا إضافة إلى 7 من كبار السن يدرسون في الفترة المسائية ويتكون جهاز المدرسة من 18 معلما، كما توجد بها مدرسة بنات للمرحلتين الابتدائية والمتوسطة تضم 57 طالبة و15 معلمة.
ويضيف العنزي غالبية معلمي المدرسة هم من خارج المنطقة، ويرفضون الاستقرار في الحزم لانعدام الخدمات فيها فهم يفضلون أن يقطعوا مسافة 200 كيلومتر يوميا على الاستيطان. لانعدام الخدمات، فشبكة الهاتف المتنقل سيئة جدا، ولا ماكينة صراف، ولا مغسلة ملابس، والمطاعم الموجودة غير مرضية، حتى صوالين الحلاقة معدومة فيها، ولا محلات لبيع الغاز.
هجرة أهالي الحزم
وأعتبر رئيس مركز الحزم عبدالله الرويلي امتناع إدارة التربية والتعليم عن افتتاح مدارس للمرحلة الثانوية سواء للبنين أو البنات سببا لهجرة الكثير من أهالي الحزم لمصاحبة أبنائهم، إن لم يكن حرمان أبنائهم من إكمال التعليم، ويقول عدم افتتاح المدارس كان سببا في عدم استيطان بعض عمال شركة الفوسفات ممن لديهم أبناء يدرسون في هذه المرحلة، ولو حرصت الإدارة على تقديم الحل فإنه لا حاجة حتى للمبنى لأن المبنى الحالي يكفي.
وأضاف الرويلي بأن قرية الحزم لم تجن من شركة معادن سوى السلبيات فحولت الأودية المحيطة بالقرية إلى مردم للنفايات ومكب للصرف الصحي، وقال مما تسبب في إتلاف بعض الأماكن الرعوية، وانتشار الروائح الكريهة والحشرات الضارة.
ويستغرب الرويلي من مرور خطوط الهاتف وأعمدة الكهرباء على أرض قرية حزم الجلاميد لتصل إلى الشركة دون أن تستفيد منها القرية.
وأنتقد فالح صغير الهزيمي الذي يعيش في الحزم منذ 43 عاما، الخدمات الطبية التي تقدم عن طريق مركز حزم الجلاميد الصحي الذي أنشأ منذ قرابة 40 عاما فهي على حد قوله دون المستوى ولا تستحق الذكر فالمركز الذي يتكون كادره من دكتور وممرض وممرضة وصيدلية لا يقدم أكثر من إسعافات أولية ولا يعمل إلا في ساعات محدودة، ولا يوجد فيه مختبر ولا أشعة.
وطالب الهزيمي بتحويل المركز إلى طوارئ وقال هناك من السكان من لديه نوبات ربو ومنهم من لديه نوبات سكر عوضا عن الحوادث التي تقع على الطريق الدولي والتي تكثر في فصل الصيف مع كثرة المسافرين فلا يمكن إسعافها إلا بنقلها إلى عرعر، ويضيف بعض نسائنا أنجبن مواليدهن على الطريق أثناء نقلهن قبل أن يصلن إلى مستشفيات عرعر.
إصرار على البقاء
ويعزو المعلم فرج الجرو - من أهالي الحزم ويعمل في مدرسة الحزم - سبب تمسك أهالي القرية وإصرارهم على البقاء إلى الظروف المادية الصعبة لأهالي القرية التي لا تمكنهم من العيش في المدن فمعظمهم يعيش على المعونات التي يقدمها الضمان الاجتماعي، وبعضهم على وظائف بسيطة.
وطالب الجرو بتعجيل منح أهالي الحزم قروض صندوق التنمية العقاري لتساعدهم على الاستيطان بدلا من قوائم الانتظار التي تصل إلى 15 عاما فحتى الآن ما تم بناؤه من منازل عن طريق قروض صندوق التنمية العقاري منزلان فقط أما بقية المنازل فهي شعبية قام أصحابها ببنائها على حسابهم الخاص.
كما ناشد الجمعيات الخيرية بصرف المعونات التي أوقفت عنهم بعد أن كانت تصرف لهم بحجة أنهم ليسوا من سكان مدينة عرعر مؤكدا على أن بينهم من يصعب عليه الحصول على قوت يومه.
وقال دخيل الله الهزيمي أستغرب عدم افتتاح مجمع قروي خاص بالحزم حتى الآن على الرغم من افتتاحها في قرى أقل سكانا ووصف مستوى النظافة بالمتدني بسبب طول بقاء النفايات أمام المنازل والتي تبقى لما يقارب الأسبوعين، ويقول الهزيمي: ليس أمامنا إلا أن نقوم بأنفسنا بنقلها بسياراتنا الخاصة والتخلص منها، مؤكدا أن الإنارة معدومة، والسفلتة سيئة فلا تخلو الشوارع من الحفريات ومنسوب الشوارع المرتفع سبب في دخول مياه الأمطار إلى المنازل، والكلاب الضالة تثير الرعب لدى الأهالي وخصوصا الأطفال حين ذهابهم إلى المدارس.
وأبدى الهزيمي عتبه على شركة معادن لعدم توظيفها أبناء القرية، وقال حرم أبنائنا من فرص التوظيف، بعد أن استلمت ملفاتهم شركة معادن منذ 3 سنوات ووعدتهم بإعطائهم الأولوية في فرصة التوظيف وإلى الآن لم يستجد شيء بهذا الخصوص.
مسؤولية اجتماعية
من جانبه أكد مدير عام منطقة أعمال الجلاميد شركة معادن للفوسفات المهندس عبداللطيف الدخيل بأن الشركة حريصة على القيام بدورها بالمسؤولية الاجتماعية، وقال حرصت معادن على ذلك منذ البداية، ووضعت برنامجا دعم العيادة الطبية بأدوية إضافية وأجهزة، حسب ما يتناسب مع الأوضاع الصحية العامة، والنظر في إمكانية المساعدة في علاج بعض الحالات المرضية أن وجدت لكن هذه المبادرة تعرضت لمعوقات إدارية وإجرائية.
وقال الدخيل أجرت عملية مسح شاملة تضمنت حصر 35 شخصا هم إجمالي العاطلين عن العمل المناسبين صحيا للتوظيف تم توظيف 28 شخصا منهم حسب ظروفهم الاجتماعية ومؤهلاتهم تتراوح رواتبهم ما بين 4000 إلى 7500 ريال شهريا.
وأضافأما موقع مكب النفايات فتحديده تم عن طريق أمانة منطقة الحدود الشمالية ومركز الحزم وهناك محاضر رسمية وعقد مع المقاول بهذا الخصوص ولو أبلغنا بالاستياء رسميا لا يوجد لدينا ما يمنع من تغيير الموقع إلى أي موقع آخر يتم تحديده من قبل الجهات المعنية.
وعن بعض التطلعات التي طالب بها الأهالي من سفلتة وإنارة وإيصال الهاتف أوضح الدخيل بأنه لا يحق للشركة التدخل في المهام المتعلقة بالقطاعات الحكومية وإنما لها دور تكاملي مع هذه القطاعات في بعض الأعمال.