عندما تطرقت في مقال سابق إلى أن أسعار بيع الغاز للاستهلاك المحلي، مهيئة للتغير مع بداية عام 2012م


عندما تطرقت في مقال سابق إلى أن أسعار بيع الغاز للاستهلاك المحلي، مهيئة للتغير مع بداية عام 2012م، استرعى انتباهي لامبالاة من يُسمون محللين ماليين، أو اقتصاديين، بذلك الحدث، وتأثيراته المحتملة على سوق الأسهم، خصوصاً إذا عرفنا أن عدد الأسهم المتداولة للبتروكيماويات خلال الأشهر الأربعة الماضية من هذا العام قد شكلت نسبة 25% من مجموع الأسهم المتداولة، وجاءت في المركز الأول، من بين كل القطاعات، هذا بالإضافة إلى وجود ملكيات كبيرة في محافظ غير متداولة، تخص الصناديق الحكومية، زائداً شركة أرامكو، تساوي 30% من مجموع الأسهم المصدرة. لذا سأتطرق إلى صناعة البتروكيماويات المحلية، ثم سأعرج على أحدث التطورات الخاصة بتوفر الغاز على المستوى العالمي.

توفر الحكومة السعودية الغاز للقطاعات الرئيسية الثلاثة (الكهرباء، التحلية، صناعة البتروكيماويات)، ولكن يلاحظ أن قطاعي الكهرباء، وتحلية المياه، قطاعان مسرفان في استهلاكهما للطاقة، لأن أسعار بيع منتجاتهما منخفضة، ومن ثم لا يوجد حافز لترشيد الاستهلاك، وهو ما ينعكس سلباً على كميات الغاز المستخدمة لتوليد الكهرباء، وتحلية المياه. وهو ما يحرم صناعة البتروكيماويات من فرصة النمو. بالمقابل، نجد أن قطاع صناعة البتروكيماويات يحقق قيماً مضافة، لا تقل عن (35) بليون ريال سنوياً. وقد وضعت هذه الصناعة المملكة على خارطة الدول الصناعية المنافسة في مجال البتروكيماويات، بالإضافة إلى استجلاب تقنيات حديثة، ومستثمرين معتبرين، وتوظيف آلاف السعوديين في أعمال صناعية متميزة.

لكل ذلك أجد أن النظرة، وأسلوب التعامل، ومن ثم تسعيرة الغاز، يجب ألا تعاقب قطاع الصناعة، بسبب الهدر الحاصل في قطاعي الكهرباء، والتحلية، وهي قطاعات تحتاج إلى قرارات سياسية هامة، لتخفيف الهدر، وذلك لصالح خيار التصنيع.

بالمقابل، ماذا يجري على المستوى العالمي حول توفير كميات إضافية من الغاز؟

في عام 2008م، وصل سعر المليون وحدة حرارية من الغاز في أمريكا إلى (13) دولارا، واليوم هي تقل عن أربعة دولارات. وبالرغم من أن حالة الركود الاقتصادي قد ساهمت في انخفاض الطلب، لكن ذلك ليس هو السبب الرئيسي، بل السبب هو تطورات تقنيّـة هامة، ستساعد في توفير كميات كبيرة من الغاز.

تاريخياً، كان معروفاً وجود كميات كبيرة مختزنة من الغاز في نوعية من الصخور، اسمها (Shale Rocks)، وهي موجودة في مناطق عديدة من العالم، ومؤخراً طوّرت تقنيات تسمح بفصل الغاز من الصخور، وهو ما يفسر انخفاض الأسعار، لاعتقاد المستهلكين أن أمامهم فرصة لمنافسة المصادر التقليدية للغاز. بل تذهب بعض التخمينات إلى أن كمية الغاز المختزن ضمن الصخور، يعادل خمسة أضعاف مخزون الغاز الطبيعي.

وقد يقول قائل إنه ليس بمقدورنا التأثير على هذه التطورات، لأن الدول الصناعية المستهلكة، مصممة على استخدام التقنية الحديثة، لتخفيض اعتمادها على النفط والغاز، وخصوصاً ما تنتجه دول أوبيك. لا، بل إن كل ذلك يؤكد على أهمية خيار تصنيع الغاز، بدلاً من إهداره استهلاكياً، ولكن عملية التصنيع تحتاج إلى تفهّم، ودعم لا مفر منه، لاستمرار تنافسية الصناعة السعودية، مقابل المنافسة الخارجية.