ما تنشره الصحف من حكايات عديدة موجعة لإناث؛ يؤكد أن هناك ظلما واقعا على السعوديات من أولياء الأمور الجائرين الذي يسيء الواحد منهم في استخدام ولايته فيمتلك قرار زواجهن وعضلهن؛ للانتفاع المادي الشخصي أو لرغبات جاهلية في نفسه؛ فيزوجها طفلة صغيرة لكهل ميت الروح، أو يعضلها كبيرة ويمسكها حتى تبور عروقها، وضحايا هذا الظلم لسن فقط من ذوات المستويات التعليمية المتواضعة والفقيرات والصغيرات غير المتمكنات من المطالبة بحقوقهن؛ بل حتى ذوات الشهادات العليا والتخصصات العلمية الدقيقة ممن تربين على الحياة المدنية وتعرفن على حقوقهن فيها؛ جميعهن في الهم سواء.
فلماذا جميعهن في الهم سواء؟! لأنه حتى حين تطالب بحقها الشرعي الذي كفله لها دينها العظيم؛ بفسخ نكاح أجبرت عليه أو بتزويجها نتيجة عضلها؛ تصطدم ببعض العقليات القضائية والإدارية التي تخضع للأعراف الاجتماعية فتشرعن الوصاية في زواج الطفلة وحتى عضل الكبيرة؛ نتيجة تغييب هذه العقليات للمرأة وعدم الثقة في وصايتها على نفسها؛ فتعتمد الرجل وصيا وإن لم يكن أهلا لها ظنا منها أنها تختار الصالح للمرأة؛ خلال اجتهادات فردية تجد في ثغرات حقوقية؛ طريقا لتمرير الوصاية الجائرة عليها.
وقصة الطبيبة الجرّاحة التي نشرتها الوطن وكتبتُ عنها بالأمس؛ تؤكد ذلك؛ فهي على مستوى عال من التعليم، مكنها من معرفة حقها الشرعي وقدرة المطالبة التي لا تقدر عليها سوى القليلات خوفا من العيب والعنف الأسري؛ ورغم رفعها دعوى قضائية لمرتين تطالب بنزع ولاية والدها الذي حرمها من الزواج؛ ومع وجود القرائن المثبتة للظلم الواقع عليها؛ إلا أن العقليات التي تعاملت مع قضيتها بصرف النظر عنها اجتهادا سلمت أمرها لوليها، وذلك لأن تلك العقلية لم تر في المرأة إلا ناقصة عقل ودين لا تمتلك من أمرها شيئا؛ رغم أنها طبيبة راشدة تبلغ 42 عاما، وتمتلك قرار المشرط في غرفة العمليات الجراحية على أجساد بشرية بينها وبين الموت شعرة إذا ما أخطأ المشرط في يدها طريقه بين عروقه.
للأسف، كثير من حقوق المرأة السعودية يتم هدرها بحجة شرعنة الوصاية عليها، وتسليم أمرها لولي أمرها الذي قد يكون من أجهل خلق الله في أمرها؛ ورغم أنها حقوق طبيعية كفلتها لها الفطرة الإنسانية في قيم الدين العظيم؛ لكنها تسلب منها وتهدر دونها آدميتها لمجرد عدم توقيع أو رفض ولي الأمر؛ الذي قد يكون سكيرا أو جاهلا أو مدمنا أو حتى أخا شهوانيا يصغرها بل ابنا لها أرضعته وأزالت قذارته حين لم يكن شيئا؛ هكذا ببساطة يمتلك حقها من هؤلاء في العمل والابتعاث والتعليم وحتى في حقها في العلاج وطلب الشفاء؛ ولكن حين يسلب ولي الأمر الجائر أيضا حقها في اختيار شريك حياتها، وتُجبر على أن تكون مجرد ناقة في قطيع يُقاد بالعصا؛ وتباع وتشترى أو تقدم هدية؛ فتلك أبشع جريمة إنسانية تمارس في حق السعوديات اللاتي يدفعن ثمن شرعنة وصاية جائرة لأولياء أمور لا يخافون الله.