سأل الإمام أحمد بن حنبل حاتم الأصم، وكان من الحكماء: 'كيف السبيل إلى السلامة من الناس؟'.فأجاب: 'تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم، ويؤذونك ولا تؤذيهم، وتقضي مصالحهم ولا تكلفهم بقضاء مصالحك'. قال: 'إنها صعبة يا حاتم!'فأجاب: 'وليتك تسلم منهم'.

سأل الإمام أحمد بن حنبل حاتم الأصم، وكان من الحكماء: كيف السبيل إلى السلامة من الناس؟.فأجاب: تعطيهم مالك ولا تأخذ من مالهم، ويؤذونك ولا تؤذيهم، وتقضي مصالحهم ولا تكلفهم بقضاء مصالحك. قال: إنها صعبة يا حاتم!فأجاب: وليتك تسلم منهم.
حسناً ، أعرف رجلاً كان يضع الحكمة السابقة مكتوبة ضمن أوراق لا تفارق جيبه. توفي الرجل فوجدت الحكمة ضمن أوراقه الشخصية.
صاحبنا لم يكن سوى خالد بن عبدالعزيز، الملك السعودي الرابع. وقد تأثرت كثيراً فقد صحبني طيفه خلال تجوالي في المعرض المقام له في مركز الملك عبدالعزيز التأريخي.
كتبت في سجل الزوار أن من الأشياء القليلة، التي يجمع عليها السعوديون عن بكرة أبيهم، أن لا أحد أدرك شيئاً من عهد خالد بن عبدالعزيز، دون أن يحبه حباً حقيقياً، لا زيف فيه ولا خداع ولا مصلحة ولا حاجة.
أخذتْني المقتنيات والصور في المعرض إلى عالم خالد، ذلك الملك الأثير الذي ارتبط بذاكرة السعوديين صغاراً وكباراً. ارتبطت قراراته بطفرة وثراء شمل أغلبية الأسر السعودية آنذاك. ذاكرتنا تجاهه محمّلة بالمديونية المعنوية تجاه شخصه، حتى ملابس الرياضة والحقائب الدراسية، بل والسندوتشات كانت توزّع في المدارس إبّان فترة حكمه. جعل من الفرد السعودي محملاً بالمكارم والأرزاق، كان عصراً جميلاً رسمتْه سيرته العطرة التي أعادتني إليها زيارتي الأخيرة.
وقفتُ صامتاً أمام وريقاتٍ كانت لا تنزل من جيبه. وأمام أدواته، أمام أشيائه الشخصية التي لا يستغني عنها. كانت تشبهه لفرط بساطتها، وعفويتها. يروي لي أحد المسنّين أن الملك خالد بينما كان يهمّ بدخول قصره إذ وجد مسناً يقف بعيداً، ترجّل عن سيارته وذهب إليه، كان البرد ينخر في العظام، أخذه إلى داخل بيته، وفرش له فراشه بنفسه، وقدّم له ما تيسّر من أكل وشرب، لم تشرق الشمس إلا وقد تداوت جراحه النفسية، واستقرّت مشاعره المحطمة، كان ذلك المسنّ يعاني من الجوع والتشرّد.
لكل أمة عظماء يخلدون في الذاكرة، تصبح كل السنوات التي تمرّ على رحيلهم هي أعمار لذكراهم. إنهم يشبهون المؤسسين الكبار للإمبراطوريات والمجتمعات، يتحوّلون إلى أرواحٍ تتحرك داخل أرواحنا، الملك خالد كان منهم. وما إن تجالس خمسينياً خبر فترة إدارته للبلاد إلا ويلهج باسمه ويدعو له. وحينما أتصفّح اليوتيوب بين فترةٍ وأخرى أجد مقاطع تعبّر عن جمال روحه، وعن بساطته، وعن قربه المباشر من هموم شعبه.
عجزتُ عن مغالبة وجداني أثناء استعراضي لتاريخ خالد. تأتي كتابتي هذه لأسدد حباً أكنه له، ألم أقل لكم إن حب خالد من المسائل القليلة التي يتفق عليها السعوديون؟!