الرباط: خديجة الطيب

النظام الحاكم يقف في طريق المعارضة والتيار الإسلامي

تعيش موريتانيا احتقانا سياسيا غير مسبوق ووضعا متأزما على كافة المستويات، بسبب غياب الحوار بين الأغلبية والمعارضة وانتهاء مأمورية المؤسسات التشريعية وانفراد الحزب الحاكم بتسيير البلاد، وتنامي الحركات الاحتجاجية، وتعاظم الخطر الأمني والحرب الاستباقية مع القاعدة خارج الحدود، وارتفاع الأسعار، واستمرار الجفاف الذي يدمر مقومات حياة سكان الأرياف الذين يشكلون قرابة 60% من الموريتانيين.
تنامي الاحتجاجات
وفي ظل هذا الوضع الصعب والمقلق واستمرار غياب مؤشرات الانفراج السياسي تبقى الأوضاع في موريتانيا مفتوحة على جميع الاحتمالات، أكثرها ترجيحا حسب المراقبين تنامي الاحتجاجات وضغط المعارضة والإسلاميين وصولا إلى حالة من الثورة والغليان تنال خلالها البلاد نصيبها من الربيع العربي، وأقلها احتمالا تلبية مطالب الشارع وفتح حوار مع المعارضة يمكّن الرئيس محمد ولد عبدالعزيز من استكمال مأموريته الرئاسية بسلام.
لكن المراقبين لا يتوقعون أن تقبل المعارضة التي تبدو متماسكة أكثر من أي وقت مضى ومتشبثة بمطالبها، بحوار مع الحزب الحاكم، بعد أن أجهض هذا الأخير حوارا سابقا معها وتجاهل مطالبها وأدار ظهره لوعود الإصلاح والتغيير، واكتفى برتوش وإضافات تفتقد الجدية ولا ترضي طموح الشعب الموريتاني المحاط بدول تعيش تغييرا حقيقيا.
فالمعارضة التي يشكل التيار الإسلامي جزءا أساسيا منها لا تثق بوعود النظام الحاكم في نواكشوط بسبب تجاربها السابقة معه والتي استغلها لصالحه من أجل الترويج لنهجه الديموقراطي ورغبته في الحوار مع المعارضة، وهي اليوم تصر قبل أي وقت مضى على التغيير الجاد وإخراج العسكر من الحكم، في إشارة إلى دور الجيش في الانقلاب الأبيض الذي أوصل الرئيس الحالي قائد الحرس الرئاسي سابقا، إلى الحكم في البلاد.
مناعة ضد الربيع العربي
لكن بعض المراقبين يشككون في قدرة المعارضة على إسقاط النظام، ويرى أستاذ القانون بجامعة نواكشوط محمد ولد سيدي أن التيار الإسلامي وباقي أحزاب المعارضة الموريتانية فشلوا في إلحاق موريتانيا بدول الربيع العربي، رغم الاحتجاجات التي قادها الشباب والتي تخللها إقدام بعض الشبان على إحراق أنفسهم على غرار ما حدث في الثورات العربية، والاعتصام لأسابيع في الساحات العامة على نحو لم يألفه الموريتانيون، وحدوث مواجهات وصدامات عنيفة بين المحتجين وأجهزة الأمن، لكن ورغم هذه الظروف فإن المعارضة فشلت في التخطيط لثورة تطيح بالنظام، بل إنها أكسبته مناعة ضد (ربيع الثورة) ومنحته الوقت لمعالجة بعض الملفات على عجل، وكسر شوكة المتظاهرين وتوجيه الإعلام الرسمي لتخويف الموريتانيين من انعدام الأمن والاستقرار بعد الثورات وهم الذين اكتووا بنار الانقلابات العسكرية وعقود من انعدام الاستقرار والأمن بعدها.
ويعتبر ولد سيدي أن فرصة الإسلاميين ما زالت قائمة للفوز في الانتخابات القادمة وقطف ثمار الربيع العربي من صناديق الاقتراع على غرار أقرانهم في دول الربيع العربي وخاصة في منطقة المغرب العربي، على اعتبار أن النظام الحاكم لم يستفد من أخطائه وما زال يواجه تذمر الشعب وتشعب الأزمات وتراكمها بالتعنت والمكابرة.
إصلاحات
لكن أنصار النظام يرون أن الرئيس ولد عبدالعزيز بادر إلى تلبية مطالب الحراك الاجتماعي والقيام بـإصلاحات بلون الربيع العربي من خلال إنجاح الحوار السياسي مع المعارضة المعتدلة، وتوفير الأمن، وقطع العلاقات مع إسرائيل.
غير أن المعطيات على الأرض تؤكد أن الأوضاع المعيشية تزداد سوءا وسط تذمر غالبية الموريتانيين من ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة والبطالة خاصة بطالة حملة الشهادات، وتجاهل مطالب العائدين من ليبيا وساحل العاج، وعدم التعاطي بجدية مع محن الجفاف وشبح المجاعة الذي يخيم على ثلثي السكان، والحركات الاحتجاجية للزنوج من حركة لا تلمس جنسيتي إلى الانعتاقية.
علاقات بالأنظمة المتساقطة
وعلى صعيد العلاقات الخارجية فاجأ النظام الموريتاني المراقبين حين ساند الأنظمة المتساقطة في الدول العربية وكان داعما رئيسيا للقذافي وبشكل علني ولم يعترف بالمجلس الانتقالي إلا حديثا، وحاليا تربطه علاقات متوطدة بسورية وإيران البعيدتين عن محيطه، مقابل علاقات متوترة مع دول الجوار كالمغرب والسنغال ومالي.
حراك شبابي
ويبدو أن النظام الموريتاني يدرك أن المعارضة تتحين الفرصة للنزول إلى الشارع وتشجيع الحراك الشبابي ليعود إلى سابق عهده حين انطلقت شرارة الثورات في بعض البلدان العربية، فبادر النظام الموريتاني إلى عقد مهرجانات دعائية للترويج لإنجازاته واستغلال المنابر، تدعو إلى حماية السلم الاجتماعي والأمن وتحذر من الفوضى والغلو وانعدام الأمن، منبهة إلى ما يجتاح العالم العربي اليوم من هرج ومرج.
كما بادر النظام إلى إصدار مذكرة توقيف دولية بحق المعارض البارز المصطفى ولد الشافعي لمنعه من دخول البلاد والمشاركة في تحالف الإسلاميين والمعارضة، بسبب دوره البارز في دعم حركة شباب 24 فبراير والنشطاء الزنوج وعلاقته الوطيدة ببعض جنرالات الجيش، فما كان من الرجل الذي يحظى بمكانة كبيرة في صفوف الإسلاميين- وله كلمة مسموعة في أوساط الشباب وصداقات قوية بدول الجوار وبزعماء عشائر الطوارق خولته للنجاح في وساطات لإطلاق سراح غربيين اختطفتهم القاعدة - إلا أن أعلن عن عزمه صراحة على إسقاط النظام الحاكم في نواكشوط.
لجان للانتخابات
وعلى الصعيد السياسي بادرت الحكومة الموريتانية إلى إحداث لجنة مستقلة للانتخابات، لتأكيد رغبتها في إجراء انتخابات نزيهة وقطع الطريق على زعماء المعارضة المتشددة المطالبين بتنحي الرئيس وابتعاد الجيش عن السياسة، وعرضتها على البرلمان الذي وافق عليها بالأغلبية دون مشاركة نواب المعارضة التي تعتبر التصويت على المدونة الانتخابية غير دستوري باعتبار أن الجلسة تنعقد خارج المهلة الزمنية الدستورية للبرلمان والتي انتهت في أكتوبر من العام الماضي.
العمل في صمت
وفي ظل حالة الفوضى والتجاذب بين الفرقاء السياسيين يبرز دور التيار الإسلامي الذي ينأى بنفسه عن هذه الصراعات ويعمل في صمت وهدوء للفوز بصدارة الانتخابات التشريعية القادمة، وهو ما يراه الباحث والمختص في الحركة الإسلامية بموريتانيا أحمد ولد محمد عالي في حديثه إلى الوطن :إن خطاب وأسلوب التيار الإسلامي تغيّرا خلال الأشهر الأخيرة من المعارضة الجامحة التي تلجأ إلى التصعيد والمزايدة والتلويح بالنزول إلى الشارع وعقد مهرجانات (الغضب الشعبي)، إلى دور المعارضة الناصحة التي تعمل بتأن وانفتاح لوضع برنامج جاد يجنح للتغيير بطرق ديموقراطية تخرج البلاد من حالة الانسداد السياسي التي تعيشها.
ويضيف أن التيار الإسلامي استفاد من الزخم الاحتجاجي المتصاعد في الشارع وفي صفوف المعارضة، مما سيساعده على الاستحواذ الكلي على الانتخابات واستنساخ تجارب بلدان الربيع العربي التي وصل فيها الإسلاميون إلى الحكومة عبر صناديق الاقتراع.
ويعتبر الباحث أن تصاعد تأثير حزب التجمع الوطني للإصلاح والتنمية الإسلامي المعروف اختصارا بـتواصل ومنظماته الجماهيرية الشبابية والنسائية، أمر طبيعي بالنظر لمساره ونضاله الديموقراطي وتوجهاته الوسطية ونزعته الإصلاحية، وتأثير شخصيات محورية فيه كالشيخ محمد الحسن ولد الددو، ورئيس الحزب محمد جميل ولد منصور، مما ساعد الحزب على استقطاب أعداد متزايدة من كل فئات الشعب الموريتاني.
اتساع فجوة الصراع
وجاءت مصادقة البرلمان الموريتاني على التعديلات الدستورية لتزيد من حدة واتساع الفجوة بين الموالاة والمعارضة، وتنذر بفتح صراع جديد بين الطرفين يتوقع المراقبون أن يكون أكثر حدة بسبب مصادقة الأغلبية على إنشاء لجنة مراقبة الانتخابات رغم مقاطعة المعارضة لجلسة التعديلات الدستورية.
ويتركز الخلاف الجوهري بين الطرفين حول مسألة مدى شرعية البرلمان الحالي الذي تستغله الأغلبية لتمرير قوانين مصيرية والمصادقة على قرارات وملفات خلافية، من خلال عقد دورات استثنائية رغم انقضاء مأموريته التشريعية، فبينما تدعو المعارضة الموريتانية إلى إنهاء ولاية البرلمان تنفيذا للدستور والقوانين المعمول بها في هذا الصدد، ترفض الأغلبية ما تدعيه المعارضة من عدم شرعية البرلمان وتؤكد أنه شرعي بكل المقاييس.
وتعوّل المعارضة على أزمة انقضاء مأمورية المجالس المنتخبة لتصعيد حملتها ضد النظام الحاكم، وتؤكد أن البرلمان الحالي والمجالس البلدية لم تعد شرعية بناء على مواد دستورية واضحة من بينها المادة 47 من الدستور التي تنص على أن ولاية البرلمان هي 5 سنوات فقط.
وتستند أحزاب المعارضة في موقفها على فتاوى قانونية تؤكد أن البرلمان الحالي فقد شرعيته بعد انتهاء مأموريته الدستورية في نوفمبر الماضي، وأن تأجيل الانتخابات عن موعدها لم يكن دستورياً، في وقت تستند الأغلبية في التأجيل وتمديد عمل البرلمان على فتوى من المجلس الدستوري حيث قامت الحكومة بناء على هذه الفتوى بتمديد ولاية البرلمان بعد انقضائها.
ويقول النائب الخليل ولد الطيب من الأغلبية البرلمانية إن موقف نواب المعارضة متناقض حيث إنهم يشككون في البرلمان ويتمتعون بامتيازاته، فادعاؤهم انقضاء مأمورية البرلمان لم يدفعهم إلى التخلي عما يتقاضونه منه من رواتب وامتيازات، ورغم أنهم يشككون في شرعية البرلمان إلا أنهم يشاركون في جلساته ويستجوبون الحكومة.
ويؤكد ولد الطيب أن المعارضة التي تدعي أن شرعية البرلمان مفقودة، شاركت في جميع جلساته واتخذته منبرا للدعاية السياسية والتحريض على العنف والفوضى وتجريح الأشخاص وتهديد النظام الحاكم وتخييره بين الإصلاح أو مواجهة الثورة.
وتطور الخلاف حول مسألة مشروعية البرلمان وتحوّل إلى حرب تصريحات بين هذه القوى المُتلاسنة، فبينما تتهم الأغلبية المعارضة بالتحريض على العنف وإثارة البلبلة وعدم الاستقرار في البلاد، بعد فشل خطابها السياسي، تتمسك المعارضة بموقفها وترفض اتهامها بالتحريض على العنف واستغلال الأزمات الداخلية لإثارة البلبلة في البلاد، وتؤكد أن هدفها تطبيق الديمقراطية واحترام الدستور وتوعية الموريتانيين بحقوقهم.
آراء متناقضة
ويرى الباحث في الشؤون السياسية المختار ولد التراد أن الخلاف بين الطرفين يزداد عمقا ويؤثر بشكل سلبي على استقرار البلاد وينذر بانفجار الوضع بسبب إكراهات الواقع السياسي في موريتانيا الذي لا يستقيم بدون اتفاق الطرفين لاسيما في الأمور الجوهرية كالانتخابات والإصلاحات الدستورية.
ويشير إلى أن الخلاف بين الأغلبية والمعارضة برز بعد اتفاق الحزب الحاكم وبعض أحزاب المعارضة المعتدلة على حوار وطني، رفضت أحزاب المعارضة الرئيسية المشاركة فيها بدعوى أن المبادرة المقدمة من طرف الحكومة تفتقر للجدية، وساهم في تصعيد التوتر إقرار البرلمان للإصلاحات الدستورية التي تتضمن توسيع صلاحيات رئيس الوزراء وتجريم الانقلابات العسكرية وإنشاء لجنة مستقلة للانتخابات.
ورغم أهمية الاصلاحات الدستورية إلا أن ولد التراد يرى أن رفض أحزاب المعارضة لها يفرغها من مضمونها ويؤثر على أهميتها، ويفتح باب الصراع والخلاف بين الطرفين على مصراعيه، وتنص التعديلات الدستورية على أن يتم اختيار رئيس الوزراء من الأغلبية البرلمانية، وأن يعرض برنامج حكومته أمام البرلمان للحصول على الثقة، كما تتضمن التعديلات زيادة عدد أعضاء البرلمان إلى 140 عضوا، وتحريم الترحال السياسي وتجريم الانقلابات العسكرية وتعزيز الحريات والإقرار بالتعددية الثقافية والمساواة بين الجنسين في فرص الولوج إلى الوظائف والمأموريات الانتخابية.
أنشطة احتجاجية
ورفعت المعارضة من سقف المواجهة مع الحكومة بعد مصادقة البرلمان على التعديلات الدستورية، حيث دشنت سلسلة من الأنشطة الاحتجاجية ضد سياسات النظام، ونظمت في مدينة نواذيبو ثاني أكبر المدن الموريتانية مهرجانا حاشدا تحت شعار لا لنهب خيرات البلاد، بهدف كشف ملفات الفساد وتحريك الشارع.
ورأت الأغلبية في سعي المعارضة لإقناع الشعب بأن أمواله مهدورة وثرواته منهوبة، محاولة يائسة لاستنساخ تجربة الثورات الشعبية وإلحاق موريتانيا بركبها، عن طريق التضليل والافتراء وتأويل الأحداث والتطورات بشكل مخالف للحقيقة واتهام النظام الحاكم بأنه يقود حربا ضد تنظيم القاعدة بالوكالة عن الغرب.
خطر القاعدة
ويتوقع المراقبون أن يفقد الحزب الحاكم في موريتانيا بعض حظوظه في الانتخابات المقبلة بسبب القاعدة التي تتربص بالحدود الشرقية مع مالي، خاصة أن نتائج المعارك التي تدور بين الطرفين من حين لآخر تتسبب في إثارة وتأليب الرأي العام على النظام الحاكم، وكان آخر هذه المعارك اقتحام عناصر القاعدة ثكنة عسكرية شرق البلاد ونهب محتوياتها وخطف جندي ربط تنظيم القاعدة ببلاد المغرب الإسلامي إطلاق سراحه بالإفراج عن اثنين من سجناء التنظيم في موريتانيا.
وفتح النظام الحاكم فصلا جديدا من الصراع بينه وبين التيار الإسلامي بإغلاق أعرق مؤسسة تعليمية دينية بموريتانيا، واعتبر زعماء إسلاميون أن إغلاق المعهد العالي للدراسات والبحوث الإسلامية من خلال قرار الحكومة الرافض لفتح التسجيل أمام الطلاب الجدد، سيؤدي إلى تعقيد الأزمة السياسية في البلاد ودفع الطلبة إلى التظاهر ضد النظام الذي يسعى إلى إغلاق أعرق مؤسسة ساهمت في ترقية التعليم بموريتانيا ونشر الدين بغرب أفريقيا.