موضوع التغيرات المناخية في جزيرة العرب في غاية التعقيد فهناك العديد من المنخفضات الجوية التي تساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في التقلبات المناخية
الله سبحانه وتعالى خلق هذا الكون بقدرٍ واتزان لا تستطيع أن تدركه العقول . قيم هذا الاتزان الرباني اتسم بعدد من المميزات التي تأخذ الألباب . إن قيمه وصوره تختلف باختلاف العصور التي يمر بها كوكب الأرض ، أضف إلى ذلك أن التغير في قيمه وصوره مرتبط ارتباطا وثيقا بما يحدث من تغيرات في الفضاء الخارجي المحيط بالأرض ،خاصة الشمس. والأهم من هذا وذاك أن الاختلاف في قيم هذا الاتزان تحدث أيضا وفق دورات زمنية دقيقة ومحددة، فالديناصورات هذه الزواحف العملاقة انقرضت منذ أكثر من 100 مليون عام ، وسبب انقراضها يعود في المقام الأول إلى تغيرات بيئية كبيرة حدثت على سطح الكرة الأرضية . محرك هذه التغيرات تغيرات قادمة من الفضاء الخارجي، ولكن انقراض هذه الزواحف العملاقة أدى إلى حدوث نوع آخر من الاتزان البيئي تسبب في ظهور نوع آخر من حيوانات أخرى تمكنت من إحداث تغيرات جذرية أخرى على سطح الكرة الأرضية عجزت الزواحف العملاقة عن إحداثها . فبعد انقراض الزواحف العملاقة ظهرت الحيوانات الثديية ، التي حملت لواء التغير على سطح الكرة الأرضية، فكل شيء في الكون يتحرك وينمو ويتطور ومن تقف عجلة حركته ونموه وتطوره فليس له مكان على سطح الكرة الأرضية.
التغير المناخي الذي تشهده الكرة الأرضية ما هو إلا حصاد تغيرات تحدث في الفضاء الخارجي خاصة ما يحدث على سطح الشمس وهذه التغيرات مثلها مثل عدد من التغيرات الكونية الأخرى تحدث وفق دورات زمنية محددة . ولتوضيح أكثر فقد لاحظ علماء الفلك أن هناك دورات لظهور البقع الشمسية على السطح الخارجي للشمس تحدث كل أحد عشر عاما وأن هناك علاقة طردية بين عدد هذه البقع الشمسية والتغيرات المناخية التي تحدث على سطح كوكبنا الأزرق . كما أثبت العالم الصربي ميلانكو فتش منذ حوالي مئة عام تقريبا أن هناك دورات للعصور الجليدية الكبيرة والمتوسطة والصغيرة تحدث على سطح الكرة الأرضية كل 100 ألف عام وكل 41 ألف عام وكل 23 ألف عام على التوالي، وتحدث هذه الدورات نتيجة لتغير موقع الأرض بالنسبة للشمس، وهي دورات كونية لا يستطيع أي عاقل أن ينكرها مثلها مثل تعاقب الفصول وتعاقب الليل والنهار.
التطرف المناخي في جزيرة العرب يمكن تقسيمه إلى قسمين: القسم الأول يحدث في فترة الانقلاب الربيعي حيث تبدأ الشمس رحلتها من النصف الجنوبي للكرة الأرضية إلى نصفها الشمالي. في هذه الفترة تتكون سلسلة من المنخفضات الجوية فوق شمال القارة الإفريقية تصل قوتها إلى أقل من 1004 مليبارات وتتحرك ناحية الشرق مسببة عواصف ترابية على جمهورية مصر العربية يطلق عليها الإخوة المصريون رياح الخماسين . مراكز هذه المنخفضات الجوية تمر بشمال جزيرة العرب، ولا تستطيع مراكز هذه المنخفضات التغلغل داخل جزيرة العرب نتيجة لقيم الضغط المرتفعة في ذلك الوقت فوق جزيرة العرب، ولكن الحركة اللولبية لهذه المنخفضات الجوية الذي يكون اتجاه الرياح فيها من سطح الأرض إلى الأعلى وفي اتجاه معاكس لاتجاه عقارب الساعة، تلتقط هذه الرياح اللولبية كميات كبيرة من أتربة ورمال كل من صحارى الدهناء والنفود، فيتسبب ذلك في إثارة عواصف رملية شديدة على كل من وسط وشرق جزيرة العرب . وأكثر الدول تضررا من هذه العواصف الترابية العراق ودول مجلس التعاون الخليجي . وقد تحدثتُ عن هذا الموضوع في كثير من المناسبات، أما عن السبب في زيادة حدة هذه العواصف الرملية في السنوات العشر الماضية، فهي قوة المنخفضات الجوية المذكورة أعلاه، والتي تحركها بصورة رئيسية الزيادة الملحوظة في كمية الحرارة الصادرة عن الشمس أثناء رحلتها إلى النصف الشمالي من الكرة الأرضية ، أو بما يُعرف بظاهرة الاحتباس الحراري . التنبؤ بحدوث هذه العواصف أسهل من التنبؤ بدخول شهر رمضان. فعند حدوث وتكوين مسببات هذه العواصف الترابية وأعني بذلك المنخفضات الجوية التي تتكون فوق الركن الشمالي الغربي للقارة الإفريقية، فهذه إشارة قوية وواضحة لجميع دول الخليج العربي والعراق، عن قدوم العواصف الترابية خلال 24 ساعة.
هذا ما كان من أمر العواصف الترابية على وسط وشرق جزيرة العرب، ولكن ماذا عن غرب جزيرة العرب ؟ لا شك أن غرب جزيرة العرب أقل تأثرا بعواصف الانقلاب الربيعي التي يتعرض لها شرق ووسط جزيرة العرب، ولكن موسم العواصف الترابية في غرب جزيرة العرب خاصة الشريط الساحلي الممتد ما بين مدينة جيزان وحتى مدينة جدة ، يبدأ مع دخول فصل الشتاء نتيجة لتقدم منخفض البحر الأحمر (منخفض السودان) حيث يتسبب هذا المنخفض في إثارة العواصف الترابية عند مرور جزء من هذا المنخفض فوق الربع الخالي والصحارى المنتشرة على طول ساحل البحر الأحمر، قوة هذه العواصف مرتبطة ارتباطا وثيقا بقوة هذا المنخفض والذي قد تصل قوته إلى أكثر من 1006 مليبارات، العواصف الذي يثيرها هذا المنخفض قد تتسبب في ردم الطريق الساحلي بين كل من مدينة جيزان وجدة ومكة المكرمة، وقد يتسبب أحيانا في تعطيل الملاحة الجوية في مطار الملك عبدالعزيز . التغيرات المناخية في جزيرة العرب موضوع في غاية التعقيد . فهناك عدد من المنخفضات الجوية التي تساهم بصورة مباشرة أو غير مباشرة في التقلبات المناخية التي تحدث فوق جزيرة العرب، بيد أن المقام لا يسمح بالتطرق إليها ، و لنا مقال لاحق ، إن شاء الله ،عن مسببات التقلبات المناخية التي تسببت في الفيضانات التي اجتاحت وتجتاح المملكة العربية السعودية والتي كان آخرها ما تعرضت له مدينة الرياض، ولله الأمر من قبل ومن بعد.