دوامة كبيرة من الجدل تحوم حول ما يعرف بـزيت النخيل الموجود في حليب الأطفال الرضع ومدى خطورته وتسببه في الإصابة بهشاشة العظام لدى الأطفال. ففي الوقت الذي دافع فيه صيادلة عن نسبة هذا الزيت في أكثر من 17 نوعا من الحليب في المملكة، رد الأستاذ المساعد لطب الأطفال بجامعة الملك سعود الدكتور خالد الفالح بأن الدراسات الأميركية الأخيرة تثبت خطورة زيت النخيل وهو موضوع يدرس منذ 10 سنوات، مشيرا إلى أنه لا يمكن للصيادلة أو علماء التغذية تحديد نسب هذا الزيت في الحليب إلا في حالة تصريح مباشر من المصنعين.
وطالب الفالح هيئة الغذاء والدواء بدراسـة تحليلية وإكلينيكية لتحليل أنواع الحليب الصنـاعي المتوفر في السوق، ومدى ملاءمته للجهاز الهضمي للرضع، وأن يتم التعامل مع أنواع الحليب بمعايير الدواء نفسها وليس كغذاء.
يأتي ذلك في ظل تأكيد الدراسات على أن الجهاز الهضمي للرضع لا يقدر على امتصاص زيت النخيل مما يؤدي إلى إمكانية حصول هشاشة ولين في العظام مستقبلا.
في الوقت الذي تباينت فيه الآراء الطبية بشأن مدى الضرر المحتمل من زيادة نسبة معدلات زيت النخيل في مستحضرات حليب الأطفال المباعة بالسوق السعودية، أكد رئيس جمعية حماية المستهلك الدكتور ناصر التويم، وجود تنسيق تجريه الجمعية مع مختبرات محلية وعالمية، بهدف التحقق من جميع المواد الطبية والغذائية التي ترد بحقها شكوى للجمعية، وذلك للتحقق منها وطمأنة المستهلكين في حال كانت النتائج إيجابية، أو إحاطة الهيئة العامة للغذاء والدواء لاتخاذ اللازم، في حال وجد خلل أو مخالفة في تركيبة تلك المواد بما يضر المستهلكين.
وكانت دراسة علمية مقدمة تحت مظلة الأكاديمية الأميركية لطب الأطفال أكدت وجود تأثير سلبي على كثافة عظام الأطفال نتيجة استخدام حليب أطفال يحتوي على زيت النخيل كمصدر من مصادر الدهون الموجودة في تركيبها، مشيرة إلى وجود علاقة بين قلة امتصاص الكالسيوم من أمعاء الأطفال وزيت النخيل مما يؤدي إلى إمكانية حصول هشاشة ولين في العظام مستقبلاً عند الاطفال.
وأثبتت الدراسة التي هدفت إلى قياس كثافة العظام عند الأطفال الذين يتناولون حليب أطفال يحتوي على أحماض دهنية مصدرها زيت النخيل بأنهم معرضون للإصابة بلين العظام وذلك بسبب فقد كمية من الكالسيوم الممتصة وارتباطها بأحماض زيت النخيل الموجود في الحليب.
يذكر أن هذه الدراسة امتدت لمدة ستة أشهر وشملت 128 طفلاً من عمر الولادة إلى ستة أشهر، وتم تقسيمهم إلى مجموعتين، الأولى تناولت حليباً خالياً من زيت النخيل والأخرى احتوت على زيت النخيل وتم تحديد كثافة العظام من خلال أشعة مختصة أجريت لجميع الحالات.
زيت ضار
وعلق الأستاذ المساعد لطب الأطفال بمستشفى الملك خالد الجامعي الدكتور خالد الفالح على الدراسة بقوله إن ما ورد فيها حقيقي وتمت دراسته مرتين خلال العشر سنوات الماضية.
وأضاف لكن الموضوع ليس بجديد حيث إن آخر دراسة تطرقت للموضوع كانت عام 2006 وهي عبارة عن ملخص لنتائج الدراسة البالغة من العمر 5 سنوات.
وطالب الفالح هيئة الغذاء والدواء بدراسة تحليلية وإكلينيكية لتحليل أنواع الحليب الصناعي المتوفر في الأسواق، ومدى ملاءمته للجهاز الهضمي للرضع. كما طالب بالتعامل مع حليب الأطفال الرضع بنفس معايير الدواء وليس كغذاء.
وعن دفاع بعض الصيادلة عن الحليب الصناعي ونسبة زيت النخيل فيه، قال الفالح لا يمكن للصيادلة ولا علماء التغذية معرفة نسب زيت النخيل في أنواع الحليب الصناعي الموجودة، إلا في حالة تصريح مباشر من الشركات المصنعة أو عمل دراسة تحليلية مخبرية لتحديد أنواع الدهون المستخدمة في صناعة الحليب.
وأضاف ليدنا نحو 17 نوعاً من الحليب الصناعي، ومعظم الشركات لا تفصح بشكل دقيق وتفصيلي عن نسب الزيوت في الحليب ولا نجد في بعضها إلا عبارة (زيوت نباتية) وهذا لا يعطيك نسبة واحدة لزيت النخيل في كل منتج.
وأشار الفالح إلى جزئية مهمة في هذا الإطار وتتعلق بمدى خطورة زيت النخيل قائلا في حال كان المنتج لا يوجد فيه إلا زيت واحد هو زيت النخيل فالمشكلة والخطورة تكمن هنا، أما في حال ثبوت وجود أكثر من زيت في الحليب فذلك لا يؤثر.
دفاع مستميت
وقد تجولت الوطن في عدد من الصيدليات ورصدت عدداً من أنواع الحليب الخاص بالأطفال والتي غالبها تشتمل على مكوناتها على زيت النخيل.
ولوحظ أن هناك دفاعا مستميتا عن وجود مثل هذا الزيت ضمن مكونات الحليب المصنع، وأوضح الصيدلاني الدكتور محمد شعبان: أن وجود زيت النخيل أمر ضروري في مكونات حليب الأطفال، وحتى لو لم يضف اسم زيت النخيل بشكل صريح في المكونات فإنه يضاف تحت اسم زيوت نباتية وهي ليس لها علاقة بهشاشة العظام مطلقاً. مضيفا بأنها مجرد إشاعات أو أبحاث لم يتم التأكد من نتائجها بشكل نهائي.
وأشار شعبان إلى أن زيت النخيل يدخل فيه عدد من الفيتامينات والبروتينات وهي تركيبة أساسية في الحليب وليست خطيرة، ولو كان ما ذكرته بعض الأبحاث صحيحا لاصيب أغلب أطفال المملكة بهشاشة العظام منذ أن تم تصنيع الحليب.
النخيل في 90? من الحليب
وقال الدكتور شعبان إن 90% من حليب الأطفال يوجد فيه زيت النخيل في مكوناته ماعدا حليب واحد وهو حليب الماعز لا يوجد فيه زيت النخيل لأنه حليب مجفف مستخلص من حليب الماعز، كما أنه لا يمكن أن ينزل أي حليب للأطفال للسوق إلا بعد أن تجرى عليه عدد من الدراسات ويتم التأكد من أنه سليم وليس فيه أي مضار على صحة الطفل.
أما الصيدلاني الدكتور مصطفى محمد فيقول: إن زيت النخيل مادة تعتبر من الدهون المشبعة، وفي بعض الأحيان يكتب على الحليب حامض لانوريد اكسيد وهو من الأحماض الدهنية وهو دهن ويدخل في تكوينة زيت النخيل، مؤكداً بأن جميع أنواع حليب الأطفال يوجد في مكوناتها زيت النخيل، ولا أعتقد أن فيها أي مضار على الطفل، كما أن بعض الدراسات تتم لتضرب سوق الحليب ويتم وقف بيع منتجات بعينها وهي دراسات غير صحيحة.
يضاف للأكل
كما أشارت أستاذ الصيدلانيات بكلية الصيدلة بجامعة الملك سعود بالرياض الدكتورة أميمة محمد الجوهري فقالت: بالنسبة لإضافة زيت النخيل لحليب الأطفال، هذا الموضوع ليس حديث عهد بل إن زيت النخيل يستعمل بكثرة في بلاد شرق آسيا حيث إن هذا الزيت يضاف إلى الأكل لجميع الأعمار كمصدر آمن للدهون، حيث إنه يحتوي على نسبة ضئيلة جداً من الكولسترول. مضيفة بأنني أرى أن الأطفال هناك يتمتعون بصحة جيدة. وأما الدراسات التي نشرت وكتب عنها في عدد من المواقع فهي لا تتضمن نتائج محددة يمكن قياسها والاعتماد عليها. لذا لا نستطيع الجزم بوجود مضار في زيت النخيل مثل لين العظام وغيرها من جراء إضافة زيت النخيل إلى منتجات غذاء الأطفال كالحليب، وأكدت الجوهري أنه على ضوء ذلك فإننا نتوجه إلى علماء التغذية لإجراء أبحاث بداية على حيوانات التجارب حول زيت النخيل، الأمر الذي يعطي صورة واضحة عما إذا كان هناك أية مخاطر من إضافة هذا الزيت إلى الطعام بصفة عامة ولحليب الأطفال بصفة خاصة.
خفض الكوليسترول
وقال أخصائي التغذية الدكتور ماهر عبد المجيد: إن زيت النخيل من الزيوت التي تساعد في خفض الكوليسترول فهو مادة خالية من الأحماض الدهنية المشبعة، وإضافة زيت النخيل في حليب الأطفال أعتقد أن ليس له مضار لأن حليب الأم يحتوي في مكوناته على نسبة من زيت النخيل وأن إضافة هذا العنصر لحليب الأطفال المجفف يكون بنسبة قليلة غير ضارة.
فيما أشارت أخصائية الأطفال بمركز الثمال الطبي الدكتورة لبنى عبد الوهاب: إلى أن زيت النخيل هو مصدر غني بحمض البالمتيك وهو من الأحماض الدهنية غير المشبعة الهامة الموجودة في حليب الأم بنسبة تتراوح بين 21 الى 22% ويستخرج زيت النخيل من لب ثمار النخيل ويعطي بنسبة تتراوح ما بين 40 إلى 43% من حمض البالمتيك، وأكدت الدكتورة لبنى على أن حليب الأم هو المصدر المثالي لتأمين احتياجات الرضيع الضرورية من أجل نمو جسدي وذهني ومناعي أفضل. وفي حال عدم توفر حليب الأم لأي سبب من الأسباب يلجأ الأطباء إلى وصف بدائل مناسبة لحليب الأم لتقديم الغذاء المناسب للطفل.
زيت البالمتيك
وأضافت أن معظم الشركات العالمية المعروفة المصطنعة تسعى لعمل بدائل لحليب الأم، وأشارت إلى أن حمض البالمتيك الذي يوجد في حليب الأم تتراوح نسبته قليلة كما ذكرت النسبة سابقاً من مجموع الأحماض الدسمة، وفي هذا المجال تستخدم العديد من الشركات المصنعة للحليب زيت البالمولين المشتق من زيت النخيل الذي يستخرج من لب ثمار النخيل ولزيت النخيل تاريخ آمن من الاستخدام، وهو مستخدم في بدائل حليب الأم منذ زمن طويل لتوفير الدهون والحصول على معدل مناسب من البالميتيك اسيد كما هو موجود في حليب الأم.
وقالت الدكتورة لبنى إن هناك العديد من الاستقصاءات التي أجريت لدراسة تأثير البالمولين على امتصاص الكالسيوم واحتباسه عند الرضع، هذه الدراسات بينت أنه لا فرق في محتوى العظم من المعادن وكثافة العظام سواء كان الطفل يتناول حليب الأم أو بدائل تحتوي على البالمولين أو بدائل لا تحتوي على البالمولين وذلك عند عمر السنة وعمر الأربع سنوات، ولكن عند عمر الثلاثة أشهر وعمر الستة أشهر وجد زيادة في محتوى العظم من المعادن عند الأطفال الذين يتناولون بدائل لا تحتوي على البالمولين مقارنة مع الأطفال الذين يتناولون حليب الأم أو بدائل تحتوي على البالمولين، وهذه الزيادة لم يثبت أبدا أنها ذات فائدة أفضل للأطفال؛ حيث إن المرجع الأساسي دائما هم الأطفال الذين يتناولون حليب الأم، بل هناك دراسة تشير إلى أنه من الممكن أن تؤثر زيادة محتوى العظام من المعادن على القدرة على الاحتفاظ بالكالسيوم، وقالت: إنه على ذلك يجب أن نؤكد دائما أن حليب الأم هو المصدر الأمثل للأطفال الرضع للحصول على احتياجاتهم من أجل نمو جسدي وذهني ومناعي مناسب، وأنه يجب أن يبقى المرجع الأساسي لكل الشركات المصنعة لبدائل حليب الأم.