تتبنى أمانة محافظة جدة موقفا يشكك في سلامة مسار القطار ويثير قلق وفزع المواطنين ويؤلب الرأي العام على مسار قطار الحرمين ولا أعلم لمصلحة من يتم ذلك؟

أكثر من خمسين عاماً ونحن ننتظر قرار إنشاء قطار الحرمين ورغم الجهود الكبيرة التي بذلت في الماضي والدراسات والمخططات التي أعدت سابقاً ورغم قناعة القيادة العليا بأهمية إنشاء قطار الحرمين بين مكة المكرمة والمدينة المنورة مروراً بمدينة جدة إلا أن هذا المشروع تعثر منذ أكثر من نصف قرن وبذل كل وزراء المواصلات السابقين جهودا كبيرة عندما عرض عليهم الملف إلا أن المشروع لم ينفذ لظروف عديدة منها الظرف الاقتصادي ورغم اختلاف الظروف الاقتصادية في المملكة إلا أن القرار لم يتخذ إلا في عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ورغم اختلاف وجهات النظر تجاه فكرة تنفيذ المشروع هل تنفذه الدولة كأحد مشاريعها التنموية وتتحمل تكلفة إنشائه وتشغيله أو يقوم القطاع الخاص بتنفيذه وإدارته وتشغيله وأخيراً حُسم الأمر على أن تقوم الدولة بتمويله وإنشائه من خلال تمويلها اتحاد مقاولين وبالفعل استطاع وزير النقل المتميز صاحب الفكر والرأي الاقتصادي الدكتور جبارة الصريصري أن يحول قرار مجلس الوزراء إلى واقع تنفيذي حيث بدأ العمل التنفيذي لمشروع قطار الحرمين السريع وهو عبارة عن سكة حديد كهربائية تربط منطقة مكة المكرمة مع منطقة المدينة المنورة مروراً بمحافظة جدة بطريق 480كم سيتم في المرحلة الأولى بناء أربع محطات ركاب منها محطة في مكة المكرمة ومحطتان في مدينة جدة في كل من مطار الملك عبدالعزيز الدولي ووسط جدة والمحطة الرابعة ستكون في المدينة المنورة ويتمثل النشاط الرئيس للمشروع في نقل الركاب والحجاج والمعتمرين ويتوقع أن يصل حجم النقل السنوي للمشروع حوالي ثلاثة ملايين راكب سنوياً ويتوقع مستقبلاً أن يصل عدد الحجاج المستخدمين للقطار حوالي ثلاثة ملايين حاج و11 مليون معتمر وستكون المرحلة الثانية للمشروع هي إنشاء محطة في مدينة الملك عبدالله الاقتصادية.
ويعتبر يوم الأربعاء 7 ربيع الأول 1430هـ يوماً ذهبياً في تاريخ النقل في المملكة حيث وقع وزير المالية السعودي رئيس مجلس إدارة صندوق الاستثمارات العامة ووزير النقل رئيس مجلس إدارة المؤسسة العامة للخطوط الحديدية ممثلين عن الحكومة السعودية عقداً مع إئتلاف الراجحي لتنفيذ الأعمال المرتقبة لمشروع قطار الحرمين السريع بتكلفة تقريبية ستة آلاف وثمانمائة مليون ريال سعودي، وتم البدء في تنفيذ بعض أجزاء المشروع فعلاً حيث تم تنفيذ أعمال جسم الخط الحديدي والجسور والعبارات حيث يتم إنشاء 25 جسراً للخط الحديدي منها 15 خارج المدن و 10 داخل المدن، وسيتم إنشاء 157 معبراً منها 35 للأودية ونحو 122 عبارة لتصريف السيول وتم تحديد معابر الجمال والسيارات كما تم التخطيط لإعادة تأهيل وتطوير الجسور الواقعة على طريق الحرمين بما يتناسب مع مسار القطار حيث سيتم بناء 47 جسراً للطرق منها 40 خارج المدن و7 داخل المدن. ونظراً لأهمية هذا المشروع العملاق والذي يعتبر أهم مشروع نقل ركاب في المنطقة نظراً لأهمية النقل للمسلمين حجاجا ومعتمرين ومواطنين ومقيمين بين أطهر البقاع ومركز الإسلام مكة المكرمة ومسجد الرسول عليه الصلاة والسلام بالمدينة المنورة. ورغبة  في تقديم أفضل الخدمات للركاب أوكلت المؤسسة العامة للسكك الحديدية إدارة مشروع قطار الحرمين السريع لشركة سكوت ولش البريطانية.
جهود جبارة بذلتها وزارة النقل بتوجيه من خادم الحرمين الشريفين لمشروع طال انتظاره ويترقب تنفيذه ملايين المسلمين في داخل وخارج المملكة.
 وبعد أن بدأ العمل الفعلي في ا لمشروع ظهرت أمانة محافظة جدة باقتراحات معوقة لتنفيذ قطار الحرمين وطالب بعض المسؤولين في الأمانة بتغيير مسار قطار الحرمين إلى شرق مدينة جدة بمحاذاة الطريق الدائري الجديد وأبدت الأمانة 15 ملاحظة سلبية على المسار الحالي تحت التنفيذ؟ وهو موقف سلبي لا أعلم أين كانت الأمانة ومستشاروها عندما بدأت وزارة النقل في وضع الدراسات الأولية والنهائية؟ والتي شارك في إعدادها كبار المستشارين المتخصصين من جميع الوزارات المعنية، والحقيقة لا أعلم لماذا هذا التناقض بين خطط الأجهزة الحكومية ولماذا لا يوجد التنسيق المبكر ولماذا لا تقدم كل أمانة مرئياتها مبكراً لأي مشروع حكومي داخل نطاق إشراف الأمانة، ولماذا يلجأ بعض المسؤولين للصحافة والإعلام لإبداء مرئياتهم تجاه مشاريع تنموية حكومية أخرى ولماذا لا يتم الحوار والنقاش بين الأجهزة الحكومية من خلال كبار المسؤولين فيها بعيداً عن الإثارة الإعلامية التي تشكك في مشاريع الدولة التنموية. إن نشر وجهات النظر المختلفة للمسؤولين بين الأجهزة الحكومية يؤكد عدم وجود تناسق في العمل الحكومي وعدم قناعة بعض المسؤولين بآراء زملائهم في الأجهزة الأخرى.
وفي وسط الفرحة ببدء مشروع قطار الحرمين المشروع الذي طال انتظاره وأصبح حلم المسلمين والسعوديين حقيقة.. تتبنى أمانة محافظة جدة موقفا يشكك في سلامة مسار القطار ويثير قلق وفزع المواطنين ويؤلب الرأي العام على مسار قطار الحرمين ولا أعلم لمصلحة من يتم ذلك؟ ولمصلحة من تأخير تنفيذ المشروع؟ إن محطات قطارات العالم وعلى وجه الخصوص محطات القطار في أوروبا تقع في وسط المدن وخطط لها منذ أكثر من مائة عام لتكون كذلك ومسارات القطارات في معظم مدن العالم تتوازي أو تتوسط مسار طرق النقل البري أما تخوف المسؤولين من ارتفاع تكلفة التعويض المالي للمواطنين في المسار الحالي وإمكانية التنفيذ في المسار المقترح فالاقتراح موجه للأمانة للبحث عن مسارات توفير مالي في مشاريع الأمانة من خلال ترشيد الإنفاق وتقويمه وحسن إدارته.
إن أجهزة الدولة المتعددة لها وظائف متخصصة وهي المعنية بدراسة التكاليف وتقييم المشاريع. إن ما دفعني للتداخل بمقالتي اليوم هو تصريح المسؤولين في أمانة محافظة جدة في التحقيق الذي نشر في جريدة المدينة الأربعاء الماضي 21 جمادي الأولى 1431هـ الموافق 5 مايو 2010م العدد (17178) والذي ينتقد مسار قطار الحرمين الحالي ويطالب بتغيير المسار وكم كنت أتمنى ألا تعالج الأمور عن طريق إثارة الرأي العام وبتسريب التقارير وكان من الأجدى طرح الرأي الآخر لأمانة جدة على مسؤولي الدولة في وزارة النقل لمعرفة وجهة النظر التي اعتمد عليها مسار قطار الحرمين الحالي.
إن دعم سمو الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة لهذا المشروع يظهر جلياً في توجيهه لأمانة جدة بالتعاون لتسهيل تنفيذ هذا المشروع وإزالة المعوقات التي تواجهه وذلك تمشياً مع توجيهات خادم الحرمين بسرعة تنفيذ هذا المشروع العملاق الذي سيخدم المسلمين.