استمعتُ أول من أمس إلى مداخلة أمين مدينة الرياض الأمير عبدالعزيز بن عياف مع الشيخ سلمان العودة، والتي نَهَرَ فيها الأول الثاني، وعنفه لأنه تكلّم عن الفساد من دون مناسبة أو سؤال!

استمعتُ أول من أمس إلى مداخلة أمين مدينة الرياض الأمير عبدالعزيز بن عياف مع الشيخ سلمان العودة، والتي نَهَرَ فيها الأول الثاني، وعنفه لأنه تكلّم عن الفساد من دون مناسبة أو سؤال!
وقد تعجبتُ من طريقة الأمين، فقد عرفته أديباً رزيناً خلوقاً، أقول ذلك صدقاً، وما شهدنا إلا بما علمنا وما كنا للغيب حافظين.
ومن العجيب فعلاً، أن نخاف من سيرة الفساد في وقت تحصد فيه الأمطار الأرواح،  مع أن الشيخ العودة لم يتحدث عن فاسدين بصيغة الاتهام، بل عن الفساد بمفهومه العام بوصفه ظاهرة؛ وهو الفساد الوارد في القرآن، أي الفساد المدني، الذي وصفه التعبير القرآني بالفساد في الأرض. وهو مفهوم عريض، كما لا يخفى على أحد.
عندما يغرق مخرج 13 منذ أن كنتُ طفلاً بشكل سنوي، فهذا لا يمكن أن يكون إلا فساداً، فهناك من لم يخف الله في عمله عندما بنى مخرجاً بلا تصريف لسيول.
مشكلتنا أن ثقافة الفساد لدينا ثقافة بسيطة ومتواضعة، وإلا فإن عدم القيام بالواجب فساد، والتأخر عن الدوام بلا مبرر فساد، والانسحاب من العمل قبل نهاية الدوام فساد، بل إن وجود مقاولين من الباطن فساد أيها الأمير الخلوق.
عندما يقول أمين مدينة العاصمة إن الأحياء المُجهّزة بشبكات التصريف الكاملة في الرياض لا تتجاوز الثلاثين في المئة، ونحن في دولة نفطية من أغنى دول العالم، فإن سوء التخطيط لتوفير متطلبات العاصمة وبقية مدننا حتى لا نحصد في كل سحابة مطر ثلة من أرواحنا، فسادٌ لا يحمل تفسيراً آخر أيها الأمير الخلوق.
ثم ألم تبتلع الأمطار أرصفة، وتنهار أنفاق، وتشل حركة، وتغرق أنفس بريئة؟!
فهل يعني هذا ـ يا سيدي الفاضل ـ صلاحاً في البناء، وتماماً في العمل؟!
إن أي صورة من تلك الصور هي علامات فساد، بالمعنى القرآني للكلمة. الفساد الذي هو ضد الإصلاح كما في سورة البقرة: وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون.
نحن نعلم جزْماً أن فسادا هنا وهناك، ألمحَ إليه رأس الوطن، الملك عبدالله، في أكثر من موضع.
فهل يحتاج الناس ليتحدثوا في قضية مفصلية مثل قضية ما حدث في الرياض أن يـُبادر مُتصل فيسأل وإلا فإن أحداً سيعنفه على هذا الحديث؟!
لقد كانت مُداخلة الأمين مُفاجئة في مخبرها ومظهرها، إلا أنها تحمل في طياتها معنى إيجابيا، وهو أن السجال والحوار لا بد أن ينعكس إيجابياً على وطن نحبه جميعاً، ويعني لكل فرد فينا ما يعنيه للآخر بعيداً عن مزايدة أو مُكابرة.