لم يطرح طرحا غريبا ولم يأت بنفس الوقت بجديد والسؤال الذي يتبادر للذهن: لماذا هو بالذات وبالتحديد تمت مهاجمته وبشراسة لا مثيل لها، لم يطل أذاها شخصه فحسب، بل تعداها ليطال أهله وأبناءه وممتلكاته

 من المؤكد والمشهود بأنه لم يتعرض لحالة نقد شديد وتضييق، وصلت لحد الإيذاء الشخصي والعائلي، أي من الذين طرحوا أفكارا إصلاحية في المملكة، مثل ما تعرض له فضيلة الشيخ الدكتور أحمد بن قاسم الغامدي، مدير هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في مكة المكرمة. ولم تتم متابعة أخبار والحالة الوظيفية لأي ممن طرحوا أفكارا إصلاحية، على مستوى وسائل الإعلام المحلية والعالمية مثل متابعة أخبار والحالة الوظيفية للشيخ. مع كونه لم يطرح جديدا لا في حكم الاختلاط ولا في حكم صلاة الجماعة في المسجد، في كل ما قدمه في الدراستين الشرعيتين عن الموضوعين.
    أورد فضيلته في دراستيه أدلة ونصوصا من الكتاب والسنة (الصحاح) ونقولات عن فقهاء المذاهب السنية المعتبرين وأئمة السلف المعتبرة أقوالهم لدى علماء وأتباع المدرسة السلفية. وهي موجودة في أمهات الكتب الشرعية، تـُقرأ كل يوم وتـُدرس كمراجع شرعية أولية في الكليات والمعاهد الشرعية. وتـُطبع كلما نفدت نسخ منها، وتـُعاد طباعتها وتوزيعها.
ولا تخلو مكتبة طالب علم شرعي، ناهيك عن عالم منها. ولم يورد الشيخ أي قول غريب أو شاذ أو من خارج سياق الطرح الفقهي السني، إن لم نقل السلفي بالتحديد.
   من ناحية المراجع التي عاد إليها الشيخ ووثقها في نهاية دراستيه، تـُعتبر سليمة من المنظور السني السلفي، ولا يمكن لأي باحث شرعي الطعن فيها أو التقليل من سلامتها.
كما أن تناوله لموضوعيه عن حكمي الاختلاط بين الرجال والنساء وصلاة الجماعة في المسجد، طرحا وتناولا، يعتبر متوازنا نقلاً وعقلاً، من ناحية ربط أفعال الرسول صلى الله عليه وسلم (السنة العملية)، بأقواله (السنة اللفظية)، للوصول للأحكام التي توصل لها، كما فعل ذلك مع أفعال وأقوال صحابته الأخيار رضوان الله عليهم. ولذلك أوردها حرصاً منه علينا للتأسي بهم نبراسا وقدوة لنا؛ فنتخلص من إشكالية التناقضات المربكة جراء تناقضات أقوالنا مع أفعالنا، وتستقيم حياتنا كما استقامت حياتهم. دراستا الشيخ الغامدي، إذن، لا غبار عليهما أبداً من ناحية المراجع والمنهج والمقصد، ولو اختلفنا حولهما في النتائج.
  أما من ناحية الأسبقية في طرح ما توصلت له الدراستان من أحكام، فهي متأخرة عن قائمة العلماء الذين سبقوه في التاريخ الإسلامي، كما في حاضرنا المعاش. سبقه في التوصل لأحكام الاختلاط كل من الشيخ ابن منيع والشيخ قيس المبارك والدكتور محمد العيسى، جميعهم من هيئة كبار العلماء في المملكة.
والدكتور عيسى الغيث قاض شرعي، والدكتور حاتم الشريف متخصص شرعي وعضو مجلس شورى، وغيرهم من علماء وطلبة علم شرعيين. حيث اتفق جميعهم في النهاية على حكم واحد وهو جواز الاختلاط مع وجود ضوابط له، بأن لا ترافقه تهمة أو ريبة، ولا يكون معه تلاصق في الأبدان. كما أن مسألة سنية حكم صلاة الجماعة في المسجد لا وجوبها، قد توصل لها الزميل والباحث الشرعي خالد الغنامي قبل سنتين، في كتاب موثق له. كما تطرق لذلك الحكم الزميل الكاتب والباحث الشرعي الشيخ أحمد بن عبدالعزيز بن باز، في عدد من مقالاته في جريدة الوطن ، وغيرهما من الكتاب والبحاثة الشرعيين.
  إذاً فالدكتور الغامدي، كما أنه لم يطرح طرحا غريبا ولم يأت بنفس الوقت بجديد، هو لم يكن أيضاً الأسبق في طرح ما طرح. السؤال الذي يتبادر للذهن: لماذا هو بالذات وبالتحديد تمت مهاجمته وبشراسة لا مثيل لها، لم يطل أذاها شخصه فحسب، بل تعداها ليطال أهله وأبناءه وممتلكاته؟!
وهذه تجاوزات شرعية خطيرة، غير مسبوقة، ترفضها القيم والأخلاق الإنسانية ناهيك عن القيم والأخلاق الإسلامية، الصادرة من إناس يدّعون وللأسف الشديد الغيرة على الإسلام وقيمه وأحكامه!
  أعتقد بأن السبب هو كونه أحد قادة جهاز هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك لعدة أسباب. حيث يوجد لدى فئة من الناس، بعضهم ينتمون لتوجهات دينية شعبوية أو إيديولوجية (ذات أجندات اجتماعية سياسية).
وأصحاب هذه الفئة من التوجهات تتوجس خيفة من عملية الإصلاح التي تقودها حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، في كثير من وزاراتها ومؤسساتها؛ الحريصة دوماً على تحسين أداء مؤسساتها، لتواكب التطورات حولها وتـُراكم من إنجازاتها في خدمة شعبها، الذي تضع رقيّه في أولويات هدفها الأول والأسمى. توهمت الفئة التي حاولت اقتحام منزل الدكتور الغامدي بأنها ستكون الضحية للمشروع الإصلاحي الكبير؛ ولذلك انتقلت من مرحلة الخوف والتوجس منها، لمرحلة المقاومة لها، خاصة عندما شعرت بجديتها.
  وكان بعض القائمين على بعض المؤسسات الحكومية التي تتعرض لحملة إصلاحية حكومية، في السابق، يمتصون الصدمات الإصلاحية، بإصلاحات سطحية، لا تمس جوهر أدائها لا من قريب ولا من بعيد. ولكن الحملة الإصلاحية الحالية التي تقودها حكومة خادم الحرمين، بقيادته الرشيدة، ثبت بما لا يدع مجالا للشك بأنها خطوة إستراتيجية جادة لا مناص منها، شملت معظم المرافق المهمة والحساسة، مثل القضاء والتربية والتعليم والتعليم العالي والجامعات، ولذلك فلم تكن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر استثناء منها.
  وقيادات مؤسسة هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، من أكثر مسؤولي الدولة ترديداً وتأكيداً على أن الجهاز هو جهاز حكومي وإحدى مؤسسات الدولة المعتبرة؛ ولكن الفئة المؤدلجة، ذات الأجندات السياسية ذات الطابع الاجتماعي تعتبر واهمة بأن الجهاز هو جهازها، الذي من خلال تعاونها معه وبلاغاتها له جهازها الوحيد المتبقي لها، بعدما فهمت بأن الإصلاح في القضاء والتعليم هو إصلاح إستراتيجي جاد لا رجعة عنه. ولذلك توجست هذه الفئة خيفة من أي عملية إصلاحية تجري على الجهاز الوحيد الذي تزعم أنه جهازها الوحيد. وكان المؤدلجون يعتمدون في صدهم لأي موجة إصلاح لجهاز الهيئة على عواطف الشارع الدوغمائية، وتجهيزها كمصدات لها.
    وظن المؤدلجون بأن موجة الإصلاح الجديدة يمكن تخطيها، برمي المشاكل التي يعاني منها جهاز الهيئة على بعض أفراد منه، يمكن تحسين أدائهم عن طريق الدورات وإيجاد قسم علاقات عامة للجهاز يقوم بعملية تسويق منجـزاته للناس وتلميعها وتبرير تجاوزاته؛ وعليه يتم تجاوز موجة الإصلاح الجديدة بسلام كما حدث سابقاً.
ولكن بحثي الشيخ أحمد، قد مسا جوهر أداء الهيئة، ولذلك أحدثا صدمة مرعبة ومدوية لذوي التوجهات الأيديولوجية التي اعتادت  فرض أجنداتها الخاصة على الناس والشـارع عن طريقه. خاصة كون الدراستين أتتا من قبل أحد قيادات الهيئة والذي عرف عنه عدم التسامح مع متجاوزي الأنظمة والقوانين التي تنظم عمل أفراد الجهاز الميدانيين.
  ولذلك جيّش هؤلاء المؤدلجون العامةَ ضده بالكتابات والخطب الدوغمائية الصارخة، التي حركت بعضهم ضد الشيخ أحمد وأججت مشاعرهم تجاهه.
ولذلك فليس من المستغرب بأن يتابع المراقبون المحليون والخـارجيون أخباره، فما يرد منها يعبر بدون شك عما يجري مـن حــراك في المجتمع السعودي.