مهما كانت حدة الانتقادات التي تظهر في وسائل الإعلام الغربية حول الدكتاتورية الصينية وخرقها لحقوق الإنسان فإن الغربيين يتنافسون في السياق الراهن من أجل كسب ود الصين والتقرب منها

 

لم تكن الصين قبل عقود قليلة سوى إحدى بلدان العالم الثالث الفقيرة. لكنها استيقظت وضربت موعدا مع التاريخ . بدأت السير بلا تلكؤ وتقدمت بخطوات عملاقة وكانت على الموعد في اليوم والساعة والدقيقة.

الكل على دراية والمؤشرات كثيرة على صعود الصين والدراسات والتحقيقات والأرقام الخاصة بمعدلات النمو الاقتصادي وحصة الصين من التجارة الدولية والاستثمارات الخارجية المباشرة وما تملكه من احتياطيات مالية، تشير كلّها في اتجاه واحد هو أن البلاد ناهضة صاعدة واعدة بالذهاب أبعد وأعلى في ترتيب القوى الكبرى في العالم.

وكان الإعلان الأول الذي أرادت الصين أن تقدم نفسها من خلاله للعالم، للأصدقاء وللخصوم، هو في تنظيمها الألعاب الأولمبية في بكين خلال صيف 2008. كانت تلك الألعاب مناسبة وميدالية ذهبية فازت بها الصين قبل أن تبدأ الألعاب.

وقد عرفتْ الصين كيف توظف تلك المناسبة ببراعة من أجل تقديم نفسها للعالم والتعريف بما وصلت إليه من تقدّم وما حققته من إنجازات وتطبيع صورتها على الصعيد العالمي كدولة حضارية منفتحة. وبالفعل تطلّع العالم كلّه يومها صوب الصين التي غدت موضوع حديث الجميع، هذا إن لم تكن موضوع أحلامهم.

وها هو العالم يتطلّع اليوم من جديد مـُنبهرا أمام ما تقدمه شاشات التلفزة من مشاهد منقولة من معرض شنغهاي العالمي الذي جرى افتتاحه قبل أيام، وسوف يستمر ستة أشهر. تشير مختلف التوقعات إلى أن عدد زائريه سوف يتجاوز المئة مليون زائر. وتهدف الصين من هذا المعرض استكمال ما كانت قد بدأته فعليا في الألعاب الأولمبية، بالإضافة إلى التعريف بسوقها الهائلة وبقوتها لبقية بلدان العالم. إنهم باختصار يريدون أن يُسمعوا العالم صوت الصين من شنغهاي هذه المرة ويبرزوا صورتها أيضا.

الغربيون أدركوا أن الصين الصاعدة ستكون إحدى القوى الأساسية في المشهد السياسي للعالم. ومهما كانت حدة الانتقادات التي تظهر هنا وهناك في وسائل الإعلام الغربية وعلى لسان سياسيي الغرب حول الدكتاتورية الصينية وخرقها لحقوق الإنسان وقمعها لتطلعات شعب التيبت وسعيها لاستعادة تايوان، ولو بالقوة ذات يوم، إلى سيادتها، فإن الغربيين يتنافسون في السياق الراهن من أجل كسب ود الصين والتقرب منها.

الأمريكيون، ومع إحساسهم العميق أن الصين هي في موقع المنافس الحقيقي القادم لموقعهم القيادي على الساحة الدولية، يضعون اليوم العلاقة معها في مقدمة أولوياتهم. والرئيس الأمريكي باراك أوباما لا يتردد في التعامل مع الصين وكأنهما، أي بلاده والصين، الكبيرين في عالم اليوم. وقمة الاثنين الكبار، كما يُطلق عادة على لقاء القيادتين الأمريكية والصينية، يرى فيها كُثر بديلا عن قمة الثماني وعن قمة العشرين.

ومن المعروف أن علاقات فرنسا بالصين ليست هي الأفضل مقارنة مع ألمانيا وبريطانيا. ولم تكن الصين بين أولويات الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي التي حددها هو نفسه يوم انتخابه رئيسا بـالتضامن الآسيوي والتعاون في حوض المتوسط وإفريقيا السوداء.مع ذلك كانت زيارته الرسمية الأولى إلى آسيا كرئيس هي إلى الصين في شهر نوفمبر ـ تشرين الثاني من عام 2007، أي بعد ستة أشهر فقط من انتخابه.

وقد قام الرئيس ساركوزي قبل أيام بزيارة دولة إلى الصين شارك أثناءها بالحفل الافتتاحي لمعرض شنغهاي الدولي. للإشارة، هذه هي الزيارة الرابعة التي يقوم بها، والثانية كزيارة دولة، إلى الصين الأمر الذي لم يحدث سابقا من قبل أي رئيس فرنسي أثناء رئاسته، ولا حتى من قبل الرئيس السابق جاك شيراك المعروف عنه أنه من عشاق الشعر الصيني وأنه من العارفين جيدا بالحضارة الآسيوية.

الغربيون يُولون اليوم اهتماما كبيرا بالصين، وبالتأكيد ليس حبا بها أو إعجابا مفاجئا بجمالها. ولكن بداعي، وعلى ضوء، ومن أجل، المصلحة. والمصلحة مفهوم عقلاني، وليست نقيصة. ثم إن الموعد مع المستقبل يجعل مثل هذا الاهتمام واجبا.

وسؤال بسيط: هل نسينا نحن جميع مواعيدنا مع المستقبل... وبالنتيجة مع التاريخ؟