في معرض الكتاب الأخير بمدينة الرياض، كنت أتجول من دار إلى دار، سعيد بكل تلك الكتب التي سأشتريها وسأكتفي بها لمدة طويلة حتى أعود للشراء مرة أخرى
في معرض الكتاب الأخير بمدينة الرياض، كنت أتجول من دار إلى دار، سعيد بكل تلك الكتب التي سأشتريها وسأكتفي بها لمدة طويلة حتى أعود للشراء مرة أخرى، مبتهج بربيع الثقافة والانفتاح وأننا أصبحنا نجد كل كتب الفلسفة والفكر بدون مشقة، هذا المشهد يوحي وبإشارات قوية أننا تجاوزنا مرحلة الرعب من كل شيء والتحفظ من كل ما يتحرك، المشهد في الجملة كان إيجابياً ويبشر بخير مقبل على هذا الوطن. لم يفتني أن أسأل عن أحوال كتابي: جواز صلاة الرجل في بيته وكيف هي صحته، بعد طول عهد بآخر نسخة رأيتها منه، فقيل لي إن الكتاب ما زال ممنوعاً من دخول المملكة وإن كوكب الأرض بأسره خارج المملكة لا يحتاجه، عندها تبسمت ابتسامة عريضة، فبالرغم من هذا الربيع الذي نشهده، إلا أنه هناك بعض التعثرات التي لا أفهم لها سبباً، وأتمنى أن يشرح لي أحد من وزارة الإعلام الموقرة كيف يمكن أن يسمح بكتب فيلسوف مثل فردرخ نيتشة الذي نعرفه بنظرية موت الله وحلول الإنسان مكانه ويمنع كتابي الذي لا يحوي إلا الآيات القرآنية والأحاديث النبوية والآثار عن الصحابة رضي الله عنهم أجمعين والتابعين وتابعيهم وينتهي بأقوال أئمة السنة الأربعة وآخرهم أحمد بن حنبل الذي تعتمد السعودية مذهبه؟ هذا ما أود أن أجد له تفسيراً وسأكون ممنوناً. في أيام المعرض أردت أن أكتب عن منع كتابي لمدة سبع سنين بلياليهن من دخول المملكة، لكن نفسي اشمأزت من استغلال هذه المساحة للكتابة عن مشكلة شخصية مع وزارة الإعلام، إلا أننا في هذه الأيام نرى أن القضية قد برزت على السطح من جديد بسبب الحديث عن مسألة إغلاق المحلات التجارية في وقت الصلاة وكيف أنه يلحق أضراراً اقتصادية كارثية، برغم أننا لو نظرنا في كتب الحسبة التي ألفت في القرون الماضية لوجدنا أن المحتسب كان يخرج فيأمر الناس بالصلاة عند الإقامة وليس عند الأذان ولا قبل الأذان بعشر دقائق كما يحدث عندنا. هذا يقودني إلى القول إنه لا بد من فسح المجال لهذا الكتاب ليباع في مكتبات المملكة، فجميع من يحاربونه لم يقرؤوه حتى، فلنأت بالكتاب ولنناقشه، فما كان منه مكذوباً أو منسوباً إلى أئمة السنة بغير حق ولم أضع المراجع الأصلية من الأمهات العلمية المعتمدة فهو مردود علي وأنا مسؤول عن أي كذب أو بهتان جاء فيه، أما إن كنت صادقاً في النسبة، ذاكراً للمراجع والمصادر فإنه من حقي أن أطالب بترخيصه ورد علمي حقيقي عليه. لقد أثبت في ذلك الكتاب أن الإمام أحمد بن حنبل كان يقول بوجوب الجماعة، يقصد بها العدد ولا يقصد بها المكان، فهو يرى وجوب صلاة الواحد مع الواحد ولا يوجب أن يكون ذلك في المسجد، وهذا ما نفهمه من اللغة العربية فالجماعة تعني العدد، أما إيجاب الصلاة في المسجد فلم يقل بوجوبه أحد من أئمة السنة الأربعة، وقد ناقشت في ذلك الكتاب أدلة المخالفين في هذه المسألة بكل أدب واحترام لمقاماتهم، فمن القدماء ناقشت الإمامين ابن حزم وابن القيم، أما المعاصرون فقد بحثت كثيراً عن كتاب علمي في هذه المسألة، يبتعد عن الأسلوب الإنشائي والحسم الذي لا دليل عليه، فوجدت كتاب الشيخ الفاضل فضل ظهير المحاضر في جامعة الإمام محمد بن سعود فناقشت كتابه وأدلته، وإلى هذه اللحظة، لم أر أحداً رد على كتابي بكتاب مثله، فالكتاب لا يرد عليه بورقة أو مقالة، والغريب أن المخالفين لي في هذا الموضوع قد تصوروا أن كتابي عبارة عن مقالات كتبتها في صحيفة الوطن ثم جمعتها في كتاب، ومن قرأ الكتاب يعلم أنه بحث علمي لا يمكن لرئيس تحرير أي صحيفة أن يجيز شيئاً منه كمقال في صفحة رأي، وقد كتبته قبل أن أصبح من ضمن كتاب هذه الصحيفة، وسوء التصور هذا يقودني للقول بضرورة وجود هذا الكتاب ويحفزني للتنبيه إلى خلل منهجي هنا، ألا وهو، أنه لا يمكن لأي مقاتل أن يقاتل الأشباح، لا بد أن تعرف جيداً ما قلته، وأن تتصوره بوضوح، وعندها يمكنك أن تتجه للرد عليّ وتفنيد أقوالي، هذه نصيحة، أقولها بكل ثقة، وأجري على الله.