ي مقال للرأي نشرته صحيفة وول ستريت في 26-4-2010، يقول ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية، أن الذين يدعون إلى تدخل أمريكي أكثر قوة في عملية السلام في الشرق الأوسط يبالغون في أثر ذلك الصراع على المصالح الأمريكية في أماكن أخرى من تلك المنطقة.
لا أعرف أي شخص بين الذين استشهدوا بالضرر الذي يسببه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على المصالح الأمريكية في المنطقة يعتقد أن هذا القلق يمكن أن يكون أي شيء غير سبب ثانوي لمبادرة أمريكية أكثر قوة لوضع نهاية لهذا الصراع.
بالنسبة للجميع، السبب الأساسي هو الثمن الإنساني لملايين الفلسطينيين الذين يعيشون تحت وطأة احتلال عسكري منذ أكثر من 40 عاما، ولمواطني إسرائيل، مع كونهم يعيشون حياة أكثر أمنا وأكثر ازدهارا بشكل متزايد، إلا أنهم لا يزالون يعيشون في ظل تهديد تجدد الحرب أو صواريخ القسام.
السبب الثاني الهام لوضع نهاية سريعة للصراع لجميع الذين يدعون إلى ذلك هو التوسع غير المحدود للمستعمرات اليهودية في الضفة الغربية، والتي لها هدف غير معلن ولكنه مفهوم على نطاق واسع وهو جعل إقامة دولة فلسطينية أمرا مستحيلا. هذه النتيجة ستضع إسرائيل أمام الخيار التالي: إما منح الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية، وبذلك تتخلى عن هويتها اليهودية، أو إنهاء طابعها الديمقراطي حيث تفرض نظاما يحرم ملايين الفلسطينيين حقوقهم الفردية والوطنية ، وبذلك تتحول إسرائيل عمليا إلى دولة فصل عنصري.
ومن الغريب أن بواعث القلق هذه لا تجد مكانا لها في مقال ريتشارد هاس وهو يحذر من المبالغة في الحديث عن آثار حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على المصالح الأمريكية.
بعد مرور أكثر من أربعين عاما على هذا الصراع والضم الإسرائيلي المتزايد لمناطق من ال 22% الباقية من أراضي فلسطين الباقية للفلسطينيين، يدعو هاس إلى التحلي بالصبر حتى ينضج الوضع قبل أن نحاول أن نضع نهاية له من خلال تقديم خطة أمريكية. ويؤكد هاس أن ما هو مفقود ليس الأفكار، ولكن إرادة وقدرة الأطراف على تقديم التنازل. ويقول هاس إن القيادة الفلسطينية لا تزال ضعيفة ومنقسمة؛ الحكومة الإسرائيلية أيديولوجية وهشة؛ العلاقات الأمريكية مع إسرائيل متوترة لدرجة تجعل إسرائيل لا تثق معها كثيرا بالوعود الأمريكية.
كان بالإمكان الاعتقاد أن المشكلة هي في الثقة بالوعود الإسرائيلية. لكن الأهم هو أن القدرة على تقديم تنازلات هي التي ستكون ضحية التأخير لفترة أطول، لأن ذلك سيؤدي إلى فقدان المصداقية بالقيادة المعتدلة لمحمود عباس وسلام فياض اللذين لن يحل محلهما بالتأكيد أشخاص أكثر اعتدالا. البديل عن هذه القيادة الفلسطينية ستكون حماس –إذا كنا محظوظين- أو الجماعات الأكثر تطرفا في غزة التي تتحدى الآن حماس بسبب ما تراه هذه الجماعات اعتدالا مفرطا من قيادات حركة حماس.
صحيح أن القيادة الفلسطينية، كما يقول هاس، لا تزال ضعيفة ومنقسمة. لكن ضعفها وانقسامها هو نتيجة الفشل الإسرائيلي والأمريكي لمكافأة اعتدالها. بالنسبة للفلسطينيين، فضلا عن إدخال تحسينات هامشية إلى الاقتصاد، والتي سببها الدول المانحة إلى حد كبير، لم ينتج عن الاعتدال الفلسطيني سوى تصلب المواقف الإسرائيلية حول القضايا الأساسية.
والأهم من ذلك أن الانقسامات الفلسطينية التي يشجبها هاس خططت لها بعناية ورعتها كل من إسرائيل والولايات المتحدة أيام الإدارة الأمريكية السابقة. ليس من المشرف أن نشير إلى مشاكل خلقتها سياساتنا المضللة كسبب يجعل ضحايا سياساتنا لا يستحقون الدعم.
بالطبع، يجب أن تلتزم الولايات المتحدة بالتزامها بحماية أمن إسرائيل. هاس يعرف بالتأكيد أنه لم يكن هناك أي سبب يجعل إسرائيل تشكك بصلابة التزامات الولايات المتحدة في هذا الخصوص. في الواقع، هناك تأكيدات أمريكية مبالغ فيها بأنه لن يكون هناك مطلقا أي اختلاف بيننا وبين إسرائيل عندما يتعلق الأمر بالأمن. ولكن إذا كان لنا أن نصغي إلى النصيحة بأن نؤخر تدخلا أمريكيا أكثر قوة في عملية السلام إلى أوقات أكثر نضجا في المستقبل، فإننا قد نجد أنفسنا مرتبطين بقوة بحكومة إسرائيلية تفرض –في سعيها للحفاظ على هوية إسرائيل اليهودية- نظام فصل عنصري على سكان فلسطينيين يعيشون تحت سلطتها ويزيد عددهم على عدد نظرائهم من اليهود.
معظم الأحزاب السياسية التي تشكل حكومة نتنياهو، بما في ذلك حزب إسرائيل بيتنا بقيادة وزير خارجيته افيجدور ليبرمان، وحزب شاس، لم تدع مجالا للشك بأنها إذا اضطرت للاختيار بين الديمقراطية والهوية اليهودية للدولة، فإنها ستختار دون أي تردد إنهاء ديمقراطية إسرائيل.
ماذا بالضبط سيفعل أي رئيس أمريكي إذا واجه مثل هذا الواقع الجديد، والذي سينتج بلا شك مرة أخرى فيضانا من إعلانات الصفحة الكاملة وقرارات من منظمة إيباك في الكونجرس الأمريكي تؤكد التصاق الشعب اليهودي التوراتي بالأرض وتطالب أن نقف مع حليفنا التقليدي؟ كيف يمكن أن ينظر العالم إلى رد أقل من مباشر وصريح من قبل الولايات المتحدة لمثل هذا الوضع؟ أليس في مصلحة أمريكا الوطنية –ناهيك عن مصلحة إسرائيل وشعبها ومصلحة الشعب الفلسطيني- أن يبذل الرئيس الأمريكي كل جهده لمنع مثل هذا التدهور المحتمل الذي سيجبر صانعي السياسة في الولايات المتحدة على اتخاذ أكثر القرارات المصيرية ألما؟ يبدو أن أيا من بواعث القلق هذه لا مكان لها في حسابات هاس عن النضوج الذي يجب أن يحفز الرئيس الأمريكي للتحرك على وجه السرعة للمساعدة على وضع نهاية للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.