يشتكي كثير من الشرعيين من قضية إشكالية الممثل الذي سيجسد شخصية الصحابي، وترميزه لاحقا في ذهنية المتلقي، وهناك مخرج جيد لمثل هذه الإشكالية بالتوجه لإنتاج أفلام كارتون احترافية عن صحابتنا

كتبت في موقعي في (تويتر) إن الحاجز القيمي بالنسبة لتمثيل الصحابة الكبار قد كُسر عندنا في المشهد المحلي، فبعد كل ذلك الضجيج والدعاية المجانية التي حصلت عليها الـ(mbc) لمسلسلها الذي أنتجته عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه؛ بتنا أمام واقع يقول إننا مقبلون في الأعوام القادمة على هجمة كبيرة من الأقنية الفضائية -التي يهمّها الربح المادي بالدرجة الأولى- بإعادة صياغة تأريخنا، والإفادة من كاريزما أولئك العظام في نفوسنا كمسلمين؛ لإنتاج أفلام ومسلسلات تحظى بالإقبال الجماهيري بغرض التكسب.
فرغم آلاف الاحتجاجات التي انطلقت لإيقاف مسلسل (عمر)، ورغم عشرات الفتاوى التي قامت تجرّم الفعل، وتحرّم المشاهدة ابتداء من الدعاة، وانتهاء بأئمة المساجد، بل والتهديد بمقاطعة الشركات المعلنة، والتواصي بشطب القناة، للدرجة التي ذهب البعض للاحتجاج في مبنى الـ(mbc )؛ إلا أن المسلسل استمر في العرض، ولم ترضخ أبدا المجموعة لكل تلك المعارضة والفتاوى، مما يعني أننا مقبلون على مرحلة جديدة، لم يعد رفع العقائر فيها بالتحريم مجدياً، فإما أن تزاحم في هذا الميدان، وتقدّم بضاعتك بكل مهنية واحترافية، وإلا فسيسبقك الآخرون، ويشوّهون تأريخك. والآخرون هؤلاء؛ إما دولة ذات إمكانات عالية، ومتقدمة في عالم الدراما كإيران الصفوية، التي لها رؤية مغايرة وشائهة تجاه صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو تجار يملكون الميزانيات الضخمة، ولا يهمّهم سوى المتاجرة بأولئك الرموز، والكسب المادي بالدرجة الأولى، ودونكم ما علق به د. فهد العرابي الحارثي في (تويتر) على مسلسل (عمر) بأنه: إنتاج ضخم، تصوير وإضاءة وصوت من الطراز الأول، لكن ليس فيه حتى الآن ما يلفت فهو يذكرنا بما تعلمناه على مقاعد الدراسة.
لكل تلك المعطيات، أجبت أحد الذين سألوني عن رأيي؛ بأن المزاحمة -من قبل أصحاب الحسّ الرسالي- والنزول لهذا الميدان؛ هو الحلّ. وسألت بحرقة عن رجال أعمالنا ممن يحملون الهمّ القيمي عن مثل هذه الميادين، وتوجّهت لسادتي علماء الشرع ممن يحظون بالقبول، بالدعوة لتوجيه رجال الأعمال هؤلاء، في الاستثمار بميدان الدراما، وهو استثمار رابح إن أقيم على أسس مهنية صحيحة، وتصدى له محترفون.
فوجئت بعد نشري لتلك التغريدة باتصال كريم من العمّ عبدالرحمن الزامل عضو مجلس الشورى السابق ورجل الأعمال المعروف، وقال إنه تابع تغريدتي، وأخبرني بأنه وثلة من رجال أعمالنا قاموا بإنتاج فيلم بعنوان (رحلة إلى مكة) وتبلغ مدته 45 دقيقة، ويصوّر رحلة ابن بطوطة المثيرة التي نقلته من مدينة (طنجة) المغربية إلى (مكة المكرمة) لأداء فريضة الحج ما بين 1325م إلى 1426م، وأنهم حاولوا التعريف بركن الإسلام الخامس عن طريق قصة ابن بطوطة، وأكرمني ببعث القرص (DVD) الذي يحوي الفيلم، وشاهدته ظناً مني أنه من تلك الأفلام الوثائقية التي تتضمن دعايات مكرورة، بيد أني شدهت ولم أستطع سوى أن أكمله لآخره، فالفيلم من النوع الاحترافي الذي يشدّك للآخر، ولا غرو لأن مخرج الفيلم هو جاك نيبور مخرج فيلم (غاندي) ومجموعة أفلام، حصل خلال مشواره الفني على 35 جائزة أوسكار، فضلاً عن المنتجين والخبراء الذين ساعدوه في الفيلم، كلهم من أساطين (هوليود).
فيلم (رحلة إلى مكة) نموذج حقيقي لما نصبو إليه، وما نصبو إليه بالتأكيد أكثر، فقد كلف رجال الأعمال السعوديين هؤلاء قرابة 60 مليون ريال، وتصدى له محترفون من (هوليود)، والأهم ربما بالنسبة لكثير من الشرعيين الذين يقفون من مثل هذه الدراما؛ أن المرأة ليست حاضرة أبداً، مما يعني أن نجاح أمثال هذه البرامج لا يعتمد على وجود المرأة بما يروّج به متخصصو الأفلام.
لزاماً عليّ توجيه تحية حارّة للأستاذ الكبير عبدالرحمن الزامل على هذه الهمة، وإبراز قيم ديننا بهذه الطريقة المميّزة، ومن المهمّ نزول رجال الأعمال إلى هذا الميدان والاستثمار فيه، وثمة وسائل عديدة نستطيع فيها تجنّب بعض المحاذير الشرعية التي وقع فيها الآخرون، والأهم ألا يتصدى صغار المستثمرين والهواة لمثل هذه الدراما التي فيها تجسيد للصحابة رضوان الله عليهم، فمجالات عديدة وكثيرة يمكن لهم أن يتناولوها، وليتركوا رموزنا العظيمة أن يقوم بها مستثمرون كبار، يرصدون الميزانيات الضخمة لإنتاجها بما فعل أحبتنا هؤلاء.
يشتكي كثير من الشرعيين من قضية إشكالية الممثل الذي سيجسّد شخصية الصحابي، وترميزه لاحقاً في ذهنية المتلقي، وهناك مَخرج جيد لمثل هذه الإشكالية بالتوجه لإنتاج أفلام كارتون احترافية عن صحابتنا، وهذا النوع من الأفلام يلقى رواجاً كبيراً، ويحقق أكبر المشاهدات في شباك التذاكر في دور السينما العالمية، ولعلكم تذكرون فيلم (الملك الأسد) وكيف راج بشكل كبير، وحقق مبيعات هائلة، وإلى الآن لا تزال هذه النوعية من الأفلام تحقق تأثيراً كبيراً، وإقبالاً عريضاً من المتلقين، وبالمناسبة، تكلفته عالية جداً، ولكن تأثيره قويٌ وأكيد، ومردوده مضمون إن استقطب المحترفين والممثلين الكبار.
أختم المقالة بتوجيه شكر لرجل الأعمال عبدالرحمن الزامل، الذي كان حفياً وسعيداً بما أنجزه مع رفاقه، وبردود الأفعال التي أتته حيال الفيلم، وما كتبته الصحافة الأميركية عنه، ويطمع الزامل الآن في تطوير الفيلم لأكثر من ساعة كاملة؛ كي يستطيع عرضه في دور السينما العالمية، لأن الفيلم باللغتين العربية والإنجليزية.
يا سادة، نحن في مرحلة ما بعد مسلسل (عمر)، فهلمّوا للمزاحمة، ولا تكرّروا خطأ تأخرنا في الفضائيات الإسلامية.