قال لصاحبه إنه سيتناول طعام إفطار عمل في جده ومرتبط بغداء عمل في لندن الساعة الثانية عشرة ظهراً

قال لصاحبه إنه سيتناول طعام إفطار عمل في جده ومرتبط بغداء عمل في لندن الساعة الثانية عشرة ظهراً وأصر عليه بعض الأصدقاء أن يتناول معهم فنجان قهوة مع وجبه خفيفة في شلالات نياقرا في طريقه إلى طوكيو لحضور اجتماع مجلس إدارة الشركة ثم إلى دبي لتلبية دعوة إحدى الشركات التي تعمل في مجال عملة ليعود إلى منزلة الساعة التاسعة مساءً ليفاجأ بمكالمة من مركز الشرطة يطلب منه الحضور لأن الروبوت الخاص بالعائلة الذي أرسل لإحضار حليب من البقالة قد اختصم مع ربوت الجيران وفقأ عينه.
هذه المكالمة الهاتفية سوف تكون عادية بعد عام 2030 حيث سوف لا تستغرق الرحلة بين جدة ونيويورك أكثر من ربع ساعة عن طريق الصعود للأوربت في ثمان دقائق والنزول إلى المحطة المقصودة في ثمان دقائق أخرى. أو عن طريق منطاد ينطلق من نفس المحطة ويبنط في لندن بعد ليعود في ارتفاع ونزول في المحطة المقصودة.. وسيكون هناك نفاث خاص للاستخدام الشخصي Personal Jet ثمنه لا يتعدى 5000 دولار يطير ويهبط في مسافة 100 متر، ويتسع لمقعدين ويمكن حضور مناسبة شخصية في طرف البلاد الآخر أو في بيروت أو القاهرة بعد أن يساعد الوالدان الأطفال في حل واجباتهم وإيداعهم في أسرة نومهم ثم حضور الحفلة والعودة للمنزل للنوم والذهاب للعمل في الصباح (خسارة لا مجال للإجازات الاضطرارية..) هذا ما يتعلق بوسائل النقل.. وهذا يحدث كنتيجة طبيعية لتنافس أصحاب الشركات التي تعمل في هذا المجال تماماً مثل تنافس بقية الشركات في المجالات الأخرى حتى إن بعض الشركات قد وضعت شعاراً في مقرها حول صناعة النفاث الشخصي يقول: إذا كنا نحلم به سيمكننا تحقيقه. If We Can Dream It, We Can Do It. هذا مايتعلق بالنقل في السيناريو الذي ذكرناه في بداية المقال. لكن ما قصة الروبوتات؟
العالم الآن يتحول إلى عالم افتراضي وقادت الجامعات هذا التحول بأن أسست جامعات إلكترونية فيها فصول يحضرها طلاب ويحصلون على شهادات تماماً تعادل شهادات المنتظمين وطلاب الفصل الواحد من السعودية وكوريا والصين وبريطانيا وأميركا والبرازيل.. يتلقون نفس المحاضرة وهم في نفس التخصص.. وقد حدثني معالي الدكتور عبدالله الموسى مدير الجامعة الإلكترونية في المملكة بأنه في حلول عام 2020 سيكون في الجامعة 200 ألف طالب. 100 ألف من داخل المملكة والـ100 الألف الأخرى من خارجها. وتبعت الجامعات الشركات فأصبحت توظف الموظفين ليعملوا داخل منازلهم، وبعد عام 2030 سوف تطغى على الشارع الروبوتات واحد ذاهب لإحضار لحمة من الجزار وآخر لإحضار الملابس من الخياط.. وهكذا لتصبح مشاكل الشارع بين الروبوتات بدلا من الناس.. إنه عالم مجنون لا ندري أين سيذهب بنا.. وهناك قصة لعلماء ترددت في روايتها حتى لا أتهم بأنني أنا الآخر قد فقدت عقلي.. إلا أنها تتعلق بعلماء أفاضل عقلاء كانوا يتحدثون في أحد برامج الحوارات على إحدى القنوات الأجنبية المشهورة عن سرعة التنقل بحيث يصل الشخص إلى طرف الكرة الأرضية الآخر في جزء من الثانية.. بحيث يدخل في جهاز.. يذوب Dissolve ثم يعاد تركيبه Reconstruct في جزء من الثانية. ونحن كمسلمين نقول إن الروح من أمر الله.. وهذا صحيح وإذا تم ذلك على أيدي العلماء فسيكون بأمر الله وتدبيره سبحانه وتعالى الذي يقول في محكم كتابه: علم الإنسان ما لم يعلم. هؤلاء العلماء يقولون إنهم استطاعو إرسال أي شحنة كهربائية بأي حجم إلى أي مكان بدون أسلاك، وأنهم يعملون على إرسال الإنسان بنفس الطريقة. سؤالي الكبير والعالم يفكر بهذه الرؤى البعيدة والمشاريع الكبيرة أين نحن العرب من كل ذلك وهل نحن طرف في هذه المنظومة؟ ما هي المجموعة التي ننضم إليها من المجموعات التالية:
- أناس يسمحون بمرور المستقبل وهؤلاء خاملون.
- وأناس يصنعون المستقبل وهؤلاء عباقرة..
- وأناس يستغربون المستقبل وهؤلاء يحملون أسفارا!
يقول جون نسيبت في كتابه: Mega Trend التحول الكبير: أن من السخف ألا يعيش المرء عالم العولمة في عصر العولمة. وهذا تعبير لطيف والصحيح أن من التخلف ألا يعيش المرء عالم العولمة في عصر العولمة.
كيف نقبل هذا الوضع على أنفسنا؟
أعتقد أن لدينا مشكلة كبيرة وهي أننا لم نستثمر حتى الآن بدرجة عالية مبدعينا ومخترعينا وموهوبينا.. حيث كما يبدو اقتصار الأمر على الاحتفاء بهم وبإنجازهم كهدف أخير، علماً بأن هذه الخطوة تعتبر الأولى في مسيرة استثمار المبدعين والمخترعين والموهوبين.. ويكون الاستثمار عن طريق مؤسسة خاصة تساعد هؤلاء المبدعين على تحويل إبداعاتهم واختراعاتهم في صناعات تدر على الوطن دخولاً وتوظف أبناءه.. هذا هو الهدف النهائي.. بكل موضوعية وصدق وشفافية مؤسسات الإبداع ليست مسؤولة وليس من اختصاصها إكمال المسيرة بعد اكتشاف المبدعين.. ليس هذا من صميم عملهم.. لا بد من إنشاء هيئة لرعاية هؤلاء المبدعين بعد تسجيل براءات اختراعاتهم. لقد تأخرنا كثيراً. وأخشى أن نتأخر أكثر فتضيع علينا فرص كثيرة.. مواردنا الطبيعية التي ننعم بها لن تستمر طويلاً.. وستحاسب الأجيال القادمة هذا الجيل وتعتبره مسؤولاً عما يحل بها بعد فترة نضوب النفط.
براءات الاختراعات وصلت أعدادها إلى الآلاف.. ويمكن لهذه الاختراعات أن تدخلنا اقتصاد المعرفة من أوسع أبوابه.. إلا أنها ظلت حبيسة الأدراج تكوّم الغبار. وظل أصحابها يعيشون مشاعر الإحباط مما حل بهم.. وكونهم بارعين لا يعني أنهم مسوقون.. هذا شيء آخر. لا بد من مساعدتهم لتسويق مخترعاتهم على شركات متخصصة.. أو مساعدتهم للتسويق بإنشاء شركات لهم أنفسهم. هذا ما يحدث في العالم المتقدم.. إن مخترعينا ومبدعينا ومكتشفينا ثروة.. لكنها ليست كأي ثروة، فكل الثروات تهدر وتنضب إلا هذه الثروة التي أطلق عليها في هذا العصر الجديد المتميز ذي التحديات الكبيرة ثروة اقتصاد المعرفة. إنها بكل بساطة غير قابلة للنضوب. الأمم المتقدمة كان سبب تقدمها البارزون المبدعون فيها.. تستثمر الأموال الطائلة فيهم، في اكتشافهم ومن ثم تربيتهم وتعليمهم وتدريبهم، ثم رعاية منجزاتهم التي تشكل في مجملها منجزات الدولة نفسها. والدول والأمم لا تتقدم ولا تنجز دون الرعاية والاهتمام بالمبرّزين فيها.