الاستثمارات السعودية اليوم في أفريقيا لا تتجاوز 2? من مجموع استثماراتها حول العالم، ونحن إذ نفوت فرصة الدخول لأفريقيا بقوة وهي تمثل امتدادا جيوسياسيا طبيعيا لنا، فإننا أيضا نخسر مقابل دول أخرى سبقتنا بسبب غيابنا الطويل عن أفريقيا

تعد أفريقيا إحدى المناطق التي يقل اهتمامنا بها في سياستنا الخارجية، وربما لا ينافسها سوى جنوب أميركا ـ البعيد الغائب ـ عن خريطة سياستنا الخارجية العامة. لا أخبار أفريقيا وما يجري فيها تهمنا بشكل كبير، ولا نحن لدينا سياسة محددة تجاه أفريقيا كمنطقة جغرافية سياسية مهمة على خريطة العالم. أفريقيا خارج دائرة الرؤية الاستراتيجية لسياستنا الخارجية، وسياستنا معها كمنطقة اتسمت بنوع من التخصيص بحسب الحاجة الوقتية فقط (ad_hoc) وعدم الثبات وعدم الاستمرارية. جولة نائب وزير الخارجية الأمير عبدالعزيز بن عبدالله الأفريقية مؤخرا شملت 9 دول (إثيوبيا، أوغندا، نيجيريا، بوركينا فاسو، تنزانيا، كوت ديفوار، الجابون، الكاميرن، تشاد) تفتح الباب لمناقشة هذا الملف الغائب عن الاهتمام فيما يتعلق بسياستنا الخارجية. فأفريقيا لم تشهد جهودا نشطة للدبلوماسية السعودية منذ أيام معالي وزير الدولة محمد إبراهيم مسعود ونجاحه في استمالة المواقف الأفريقية مقابل إيران.
سياسة المملكة الخارجية تجاه أفريقيا بدأت خلال عهد الملك فيصل الذي قام بجولة تاريخية هناك في السبعينات، ولم تشهد أفريقيا منذ وقتها أي زيارات ملكية أو على مستوى عال، وهو الأمر الذي ربما من المهم أن يكون على الأجندة السياسية للمملكة في الفترة القادمة. جولة الملك فيصل الأفريقية في السبعينات كانت لها نتائج مهمة كقيام الدول التي زارها بقطع العلاقات مع إسرائيل وكذلك تثبيت علاقاتها مع العرب، وبخاصة في ظل منظمة المؤتمر الإسلامي التي كانت حينها لا تزال حديثة التأسيس. وعليه فقد نجحت جولة الملك فيصل في تعزيز مبدأ التضامن الإسلامي ودعم الدول الأفريقية للقضايا والمواقف العربية. ولكن رغم كل هذا فإن دخولنا الساحة الأفريقية كان إما محكوما بفكرة نشر مفهوم التضامن الإسلامي الذي شكل أحد أركان السياسة الخارجية السعودية في الستينات والسبعينات لعدة أسباب، أو محكوما بفكرة نشر الإسلام والتي كانت انعكاسا للمشهد السياسي الداخلي خلال الثمانينات أو بفكرة المساعدات الإنسانية وبالأخص للدول التي عانت من آثار المجاعة والفقر والحروب في القارة السمراء خلال التسعينات.
أفريقيا في المخيلة السياسية السعودية وفي خريطة المصالح لا تقع ضمن إطار عام ومظلة سياسية شاملة. بعض العلاقات السعودية الأفريقية الثنائية إما كانت مدفوعة بضرورة سياسية كإثيوبيا، أو ضرورة اقتصادية كما مع الجابون عندما كانت عضوا في أوبك، وبعضها الآخر بناء على علاقات شخصية كما مع السنغال. ورغم تنوع مصالح أو اهتمامات المملكة المتعددة على الصعيد الأفريقي فإن ما يتضح هو غياب مرجعية إطارية شاملة تشكل رؤيتنا الاستراتيجية تجاه أفريقيا ككل.
هناك اهتمام محدد بنيجيريا وأنغولا على الصعيد النفطي خصوصا كونهما دولتين مصدرتين للنفط وعضوين في منظمة أوبك، في المقابل هناك اهتمام ذي صبغة سياسية وأمنية تجاه منطقة القرن الأفريقي بسبب الموقع الجغرافي وتأثيره على مضيق باب المندب والبحر الأحمر، ثم هناك الاهتمام الاقتصادي بجنوب أفريقيا الصاعدة. هناك اهتمام بالدول الأفريقية المسلمة كما مع تشاد ومالي والنيجر وتنزانيا ضمن إطار فكرة التضامن الإسلامي، هذا عدا عن حالة الاهتمام الإنساني كما في المساعدات التي تقدم للصومال أو غيرها من الدول الأكثر معاناة. مؤخرا ظهر اهتمام جديد للمملكة على الصعيد الأفريقي يتمثل في مسألة الأمن الغذائي حيث قامت المملكة على سبيل المثال بشراء 500 ألف هكتار في تنزانيا إضافة لاستثمارات زراعية في كينيا وإثيوبيا.
فسيفساء سياستنا الأفريقية لا تشكل لوحة بسبب غياب رؤية شاملة وواضحة لنا تجيب عن سؤال: ماذا نريد من أفريقيا عموما وماذا يمكن أن تقدم لنا؟ ورغم أن مثل هذا السؤال تم على الأقل تداوله فيما يخص مناطق كجنوب شرق آسيا أو الصين والهند إلا أنه على الصعيد الأفريقي يظل بعيدا عن النقاش بعموميته. ويظهر مدى إحجامنا عن الدخول للساحة الأفريقية ليس فقط من خلال غياب مظاهر الدبلوماسية والزيارات وإنما من خلال غياب الآليات السياسية الموحدة والواضحة للعمل هناك. في فترة من الفترات كانت النكتة المتداولة بين المطلعين على الشؤون الأفريقية هي أن الوجود السعودي هناك لا يرتكز سوى على الدعوة وتوزيع المصاحف وغطاء الرأس للنساء، وهو أمر وإن جانب الصواب يظل الانعكاس الذي يراه الآخرون في المرآة حول سياستنا الأفريقية. في الوقت الذي تدخل فيه دول أخرى لأفريقيا بكامل عتادها الدبلوماسي والاقتصادي، فإننا لا نزال في مرحلة الزيارات الاستكشافية أو تقديم الدعم لبعض المشاريع من خلال صندوق التنمية دون أن يكون لمثل هذا الدعم عائد سياسي أو اقتصادي واضح، وذلك لعدم وضوح الرؤية التي تمثل الصورة الكبيرة فيما يتعلق بوضع أفريقيا على خارطتنا السياسية.
في العشر سنوات الماضية كانت 6 دول أفريقية من ضمن أسرع 10 اقتصادات نموا في العالم، وأفريقيا عموما شهدت معدل نمو اقتصادي أسرع من آسيا، وبلغ متوسط هذا المعدل 6?، وبحسب تقرير للبنك الدولي فإن أفريقيا تشهد اليوم انطلاقة اقتصادية شبيهة بالصين من 30 عاما أو الهند من 20 عاما مضت. خلال العقد الماضي تضاعف حجم التجارة العالمية مع أفريقيا 3 أضعاف، وبسبب نمو معدلات دخل الفرد في أفريقيا أصبحت القارة السمراء بمجموع سكانها البالغ مليار نسمة أكثر سوق مستقبلي واعد، وهو ما يتضح على سبيل المثال من خلال نمو قطاعات مثل الاتصالات والبنوك في عدد من الدول. أفريقيا الغنية بثرواتها الطبيعية حققت في العقد الماضي الكثير من التقدم على مستوى الديمقراطية والحكم الرشيد، سواء فيما يخص الاتحاد الأفريقي ككل وهو ما يتضح من مواثيقه وآلياته ومواقفه كما يحدث في مالي مثلا، أو ما حققته دول معينة كغانا وبتسوانا اللتين تعدان نموذجين لتقدم الدول الأفريقية فيما يخص الديمقراطية والاستقرار السياسي والاجتماعي ودفع عجلة التنمية (نسبة نمو الناتج القومي في غانا في 2011 حوالي 13.5?)، ومثل هذا الأمر دافع لمزيد من التنمية الاقتصادية المستقرة الواعدة في أفريقيا.
الاستثمارات السعودية اليوم في أفريقيا لا تتجاوز 2? من مجموع استثماراتها حول العالم، وبعيدا عن الصين التي ارتفع حجم تبادلها التجاري مع أفريقيا في التسعينات فقط بنسبة 700?، فنحن إذ نفوت فرصة الدخول لأفريقيا بقوة وهي منطقة تمثل امتدادا جيوسياسيا طبيعيا لنا، فإننا أيضا نخسر مقابل دول أخرى إما سبقتنا أو نجحت بسبب غيابنا الطويل عن أفريقيا، سواء إسرائيل التي احتضنت جنوب السودان منذ استقلاله وقام وزير خارجيتها بجولة أفريقية في 2009 تضمنت (إثيوبيا وغانا وكينيا وأوغندا ونيجيريا) وإضافة للخبرات الإسرائيلية في مجال الزراعة التي تقدمها لدول حوض النيل، فإن دولا مثل إثيوبيا وكينيا ونيجيريا تستورد السلاح من إسرائيل اليوم، إيران من جهة تبني شبكة علاقات اقتصادية مع عدد من الدول كالسنغال وزيمبايوي، وتركيا التي بلغ حجم صادراتها لأفريقيا في 2011 حوالي 10 مليارات دولار أصبح وجودها في الصومال مثلا أعمق وأكبر منا. نحن أهملنا أفريقيا لفترة طويلة وربما آن الأوان أن نسأل ماذا يمكن أن تقدم لنا؟ وماذا نريد نحن من أفريقيا عموما؟ لا كدول في حالات وأوقات معينة وإنما كرؤية استراتيجية شاملة.