وصل خالد إلى مبتغاه، ليس لأنه عبقري أو نابغة، بل لأنه لم يستسلم بسرعة. لم يذعن للمثبطات والمحبطات. استمر لأن لديه حلما آمن به وضحى من أجله. التحق خالد بالجامعة التي يريد، ليس لأنه طالب نجيب، بل لأنه طالب لا تهشمه عبارة أو تعرقله حجارة
في منتصف عام 2006 قرر خالد البكري (34 عاما) أن يستقيل من البنك. أصر أن يغادر هو وزوجته وطفلاه إلى أمريكا رغم معارضة جل أقاربه. ذهب وهو يحمل حلما واحدا يتمثل بدراسة الماجستير في جامعة مرموقة، لكن هذا الحلم ارتطم بصخور هائلة، أبرزها لغته الإنجليزية المتواضعة، وعدم حصوله على بعثة دراسية.
تفاقمت مشاكل خالد في الغربة بعد أن مرضت أم زوجته واضطرت شريكة حلمه إلى العودة للوطن للوقوف بجانب والدتها في أحلك الظروف، فبقي خالد مع ابنيه هلا (6 سنوات)، ومحمد (4 سنوات) وحيدا. صار الأب والأم معا. يطهو لهما، ويغسل ثيابهما، ويقضي حوائجهما. كانت مسؤوليتهما ثقيلة ومرهقة بجانب واجباته الدراسية.
قرار العودة كان يلاحقه حتى في فراشه ككوابيس، لكنه لا يستطيع أن يعود بخفي حنين. لا يستطيع أن يرى فشله في وجه أمه وإخوته عندما يعود. واصل دراسته بمساعدة أساتذته وإدارة معهد اللغة الذي يدرس فيه، وبالتعاون أحيانا مع جيرانه. في غضون أقل من عام حصل على درجة عالية في اختبار اللغة الإنجليزية (التوفل). وبعد 10 أشهر أخرى حصل على درجة مرتفعة في اختبار (الجيمات)، أحد متطلبات الماجستير في تخصص إدارة الأعمال.
تقدم لاحقا إلى معهد ماساتشوستس للتقنية (إم آي تي)، أحد أهم الجامعات في العالم، لكن طلبه قوبل بالرفض، بيد أنه لم ييأس. درس في جامعة ولاية وايومينج الأمريكية وتخرج فيها بتفوق، ثم تقدم مجددا لـ (إم آي تي) ورفض طلبه للمرة الثانية، لكن هذه المرة لم يذهب إلى جامعة أخرى ليدرس فيها.
طلب فقط أن يلتقي أي أستاذ في كلية إدارة الأعمال، أن يجتمع معه لمدة ربع ساعة فقط. تحقق طلبه بعد ماراثون إيميلات.
استعد خالد لهذا اللقاء جيدا. حشد فيه كل دعوات أمه وكفاحه طوال السنوات الماضية. استعرض فيه مقطع فيديو مصور له وهو يعد الطعام لابنه خالد، وهو يصفف شعر ابنته هلا. تحدث عن مغامرته بالمجيء لأمريكا في ظل احتجاج أقاربه وامتعاضهم.
تناول المقالات التي نشرها خلال دراسته في جامعة وايومينج والمشاريع التي نفذها وحده أو مع زملائه.
بعد نحو شهر من المقابلة تحقق حلم خالد. وصله بالبريد قبول (إم آي تي). ثم هنأه الأستاذ الذي قابله، جو إيدوارد، عبر رسالة إلكترونية قال فيها: نحن نعشق المغامرين. مرحبا بك وعقلك بيننا.
وصل خالد إلى مبتغاه، ليس لأنه عبقري أو نابغة، بل لأنه لم يستسلم بسرعة، لم يذعن للمثبطات والمحبطات. استمر لأن لديه حلما آمن به وضحى من أجله. التحق خالد بالجامعة التي يريد، ليس لأنه طالب نجيب، بل لأنه طالب لا تهشمه عبارة أو تعرقله حجارة. طالب لديه طموح غفير جعله يتسلق جبال الصعوبات على طريقة أبو القاسم الشابي حينما قال:
إذا ما طمحتُ إلى غايةٍ
لَبِستُ المُنَى ونسيت الحذرْ
ومن لا يحبُّ صُعود الجبالِ
يعش أبد الدهرِ بين الحفرْ
نجاح خالد في دخول جامعة (إم آي تي) يجب أن يكون دافعا وعبرة لنا جميعا لمطاردة أحلامنا وعدم القنوط من رحمته سبحانه.
النجاحات الكبيرة لا تتحقق ونحن نستلقي على آرائكنا. ونحن نجلس في منازلنا. علينا أن نركض خلفها بكل ما أوتينا من قوة وحماسة متيمنين بديفيد جونسون حينما قال: ليس على طريق النجاح إشارات تحدد السرعة القصوى. إن الإنجازات تتطلب حركة دؤوبة وإصرارا ومغامرة ومخاطرة أحيانا. يقول الشاعر الإنجليزي جيفري تشوسر: إن لم تخاطر بشيء، فلن تملك شيئا.