هناك بناء مشهدي في الشعر العربي المعاصر، يعتمد على الالتفات والاتكاء على نموذج ملتحم مع حدث تاريخي، فيقوم الشاعر بتوظيفه ضمنياً كمحور أو إشارة أو دلالة. مستغلاً ما تعنيه تلك الشخصية من إيحاء وما تصنعه من أجواء تعمق الفهم للقصيدة. وتشبعها بالخصوبة. وتتحول من خلالها إلى فعل شعري متصاعد. على أن تكون تلك الشخصية مبهرة ومضيئة. ومدهشة أو صاخبة ومتفجرة. ذات نزوع تأثيري واضح. ولن يتأتى ذلك إلا بتوظيف الشخصيات من التعبير عنها إلى التعبير بها. كما يقول الدكتور علي عشري والذي حدد مصادر الشخصيات التراثية في الشعر العربي المعاصر والتي يستمد منها الشاعر طاقاته ويجسد تجربته وهي الموروث ( الديني. الصوفي. التاريخي. الأدبي. الفلكلوري. الأسطوري ) يقول الدكتور عبده بدوي موظفاً شخصية ابن نوح عليه السلام مستعيراً حادث تمرده على أبيه : إني مولود والدنيا تبكي من حولي من قلب فيه جروح. من طوفان عات مبحوح. فأنا ولد عاص لم يتبع في خوف نوح. لا تصرخ يا ربان الفلك المقلع (اركب معنا) ويقول السياب في نغمة راضية مستسلمة أثناء مرض الموت : لك الحمد مهما استطال البلاء. ومهما استبد الألم. لك الحمد إنّ الرزايا عطاء وإن المصيبات بعض الكرم. وإن صاح أيوب كان النداء : لك الحمد يا رامياً بالقدر. ويا كاتباً بعد ذاك الشفاء! ويقول عمر أبو ريشه: أمتي، هل لك بين الأمم منبر للسيف أو للقلم. أتلقاك وطرفي مطرق خجلاً من أمسك المنصرم. ربَّ وامعتصماه انطلقت ملء أفواه الصبايا اليتم. لامست أسماعهم لكنها لم تلامس نخوة المعتصم، أما تأثير الموروث الفلكلوري على الشاعر العربي فقد اعتمد على ألف ليلة وليلة. والسير الشعبية، كسيرة بني هلال، وعنترة، وسيف بن ذي يِزن وغيرها. ويأتي الجانب الأسطوري كأفقر المؤثرات إذا قيس بالتراثات الأسطورية للأمم الأخرى كما يؤكد ذلك الدكتور عشري لأن العقلية العربية في تلك العصور عقلية تجريبية عملية. لا تعنى بغير الواقع المادي. وموقف الإسلام الحاسم من العصر الجاهلي وحياة البداوة. وعدم وجود حروب أسطورية بين الأمة العربية وسواها من الأمم. يقول الشاعر عز الدين المناصرة : قلت لنا إن الأشجار تسير. تقفز.. تركض في الوديان. في اليوم التالي يا زرقاء. كان الجيش السفاح ينحر سكان البلدة في عيد النحر. قلعوا عين الزرقاء الفلاحة خلعوا التين الأخضر من قلب الساحة. وقد شابت تجربة الاستدعاء مزالق كثيرة أبرزها : غربة الشخصية المستدعاة من وعي المتلقي. والغموض. والتأويل الخاطئ لبعض الشخصيات.